لقد كان الناس أهل الكتاب وغيرهم قبل بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلام من الجهل بالله وبأنبيائه وبشرعه. ومن الجهل بآيات الله في أنفسهم وفي الكون. ومن الجهل بنعم الله عليه في أنفسهم بالعقل والفكر والإستعداد للخير والكمال، وفي العالم المسخر لهم بما أودع فيه من مرافق العيش والعمران والحياة، ومن الجهل بقيمة أنفسهم الإنسانية وكرامتها وحريتها. فلما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان بقوله وبفعله وبسيرته معرفاً للخلق لما كانوا يجهلون. فكان نوراً ساطعاً في ذلك الظلام الحالك فبدده عن البصائر. وكما أن النور الكوني يجلو الموجودات الكونية للأبصار فكذلك كان محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك النور الروحي الرباني يجلو تلك الحقائق للبصائر، وكما أن النور الكوني يظهر الموجودات الكونية فلا يحرم منها إلا معدوم البصر فكذلك كان محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك النور الرباني مجلياً للحقائق البشرية كلها ولا يحرم من إدراكها إلا مطموسو البصائر الذين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم.
وكما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - نوراً تنبعث من أقواله وأفعاله وسيرته الأشعة الكاشفة للحقائق، كذلك كان الكتاب الكريم الذي أنزله الله عليه يبين بسوره وآياته وكلماته تلك الحقائق أجلى بيان. فبمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابه تمت نعمة الله- تعالى- على البشرية كلها بإظهار وبيان كل ما تحتاج إلى اظهاره وبيانه. ولما دعا الله إلى تصديق رسوله بالحجة العلمية الخلقية من بيانه وتجاوزه ذكر بهذه النعمة العظمى في قوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}.
[محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن نور وبيان]
في هذه الآية وصف محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه نور