تسمي حركة الحلي وسواسًا، وهذا المعنى واضح في المراد هنا فإن الموسوس من الجن في نهاية الخفاء هو وعمله، والموسوس من الإنس يتحرى الإخفاء ما استطاع ويحكي الحيلة في ذلك ولا يرمي رميته إلّا في الخلوات. وإن الناس ليعرفون عرفانًا ضرورًّيا من الفرق بين المصلحين والمفسدين أن الأولين يصدعون لكلمة الحق مجلجلة ويرسلون صيحته داوية ويعملون أعمالهم في وضح النهار ومحافل الخلق وأن الآخرين يتهامسون إذا قالوا ويستترون إذا فعلوا ويعمدون إلى الغمز والإشارة والتعمية ولو وجدوا السبيل لكانت لهم لغة غير اللغات. ولكان الزمن كله ظلمات، والأرض كلها مغارات.
والخناس: وصف مبالغة في الخانس من الخنوس وهو التأخر بعد التقدم ومن ملابسات هذا المعنى ومكملاته في المحسوس أنه يذهب ويجيء ويظهر ويختفي إغراقًا في الكيد وتقصيًا في التطور حتى يبلغ مراده. فالله تعالى يرشدنا بوصفه بهذه الصفة إلى أن له في عمله كرًا وفرًا وهجومًا وانتهازًا واستطرادًا على التصوير الذي صوره إبليس في ما حكى الله عنه:{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}(١). يرشدنا بذلك لنعِدَّ لكل حالة من حالاته عدتها. ولنُضيِّق عليه المسالك التي يسلكها، كما أن وصفه بهذه الصفة يشعر بأنه ضعيف الكيد لأن الخنوس ليس من صفات الشجاع المقدام. وإنما هو كالذباب تذبه بذكر الله من ناحية فيأتيك من ناحية ثم دواليك حتى تملّ أو يملّ، وأما التهويل في وصفه بما يأتي بعد فهو مبالغة في التحذير منه لأن وصفه بالضعف مظنة لاحتقاره والتساهل في أمره.
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}: قال يوسوس