النجارية الأنصارية خالة أنس بن مالك، وأخت أم سليم وزوجة عبادة بن الصامت.
كان النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- يكرمها ويزورها في بيتها، وما كان ذلك إلاَّ لكمالٍ في دينها وصلاحها، وقد ظهر أثر هذا الدين والصلاح في مبادرتها لطلب الدعاء من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن تكون من الغزاة في البحر لما ذكر لها ما عرض عليه في نومه من أناس من أمته، كالملوك على الأسرة، غزاة في البحر، وعودها إلى الطلب لما ذكر لها مثلهم في المرة الثانية حتى قال لها: أنت من الأولين.
امرأة تسمع بالغزو وفي البحر ولا يهولها الغزو وما فيه من مشقة وما وراءه من القتل، ولا البحر وأهواله وهي امرأة لم تعتد ركوبه ولا تعرف عنه إلاَّ أنه خلق عظيم ذو هول كبير وخطر شديد قريب، لا يقف أمامها لا هذا ولا ذاك، وإنما يقف أمامها ويستولي على نفسها ويحيط برغبتها منزلة الشهادة وما فيها من الأجر والمثوبة، وما وراءها من الخير والكرامة، فتحرص ذلك وتؤكد الطلب، وتعود إليه مرة بعد أخرى، هذا - والله- الإيمان حقاً، والرغبة في العمل الصالح صدقاً وبذل أعز ما عند الإنسان لخالقه في طلب مرضاته.
صدقت أم حرام قولها بفعلها، فلما خرج زوجها مع معاوية لغزو جزيرة قبرص خرجت معه وماتت في تلك الغزاة لما خرجت من البحر ونزلت أرض الجزيرة ودفنت بها. وذكر هشام بن عمار الخطيب المقرئي الثقة أنه رأى قبرها بقبرص ووقف عليه، فرحمة الله عليها من امرأة صالحة ومؤمنة صادقة في نساء المسلمين (١).
(١) ش: ج ١، م ١٠، ص ١٤ - ١٦ غرة رمضان ١٣٥٢ه - جانفي ١٩٣٤م.