كما يفتن الفرد بالفرد كذلك تفتن الأمة بالأمة، من ذلك أننا- معشر الأمة الإسلامية- قد فتنا بغيرنا من أمم الغرب وفتنوا هم أيضاً بنا. فنحن ندين بالإسلام وهو دين السعادة الدنيوية والأخروية، ولكن حيثما كنا- إلا قليلاً- لسنا سعداء لا في مظاهر تديننا ولا في أحوال دنيانا، ففي الأولى نأتي بما يبرأ منه الإسلام ونصرح بأنه من صميمه. وفي الثانية ترانا في حالة من الجهل والفقر والتفرق والذل والاستعباد يرثي لها الجماد، فلما يرانا الغربيون على هذه الحالة ينفرون من الإسلام ويسخرون منه إلا من نظر منهم بعين العلم والإنصاف فإنه يعرف ما نحن عليه هو ضد الإسلام، فكنا فتنة عظيمة عليهم وحجاباً كثيفاً لهم عن الإسلام، فكنا- ويا للأسف- فتنة للقوم الظالمين. وهم من ناحيتهم نراهم في عز وسيادة، وتقدم علمي عمراني فننظر إلى تلك الناحية منهم فنندفع في تقليدهم في كل شيء حتى معائبهم ومفاسدهم ونزدري كل شيء عندنا حتى أعز عزيز إلا من نظر بعين العلم فعرف أن كل ما عندهم من خير هو عندنا في ديننا وتاريخنا، وأن ذلك هو هو الذي تقدموا وسادوا به وأن ما عندهم من شر هو شر على حقيقته وأن ضرره فيهم هو ضرره وأنه لا يجوز أن يتابعوا عليه فكانوا فتنة لنا حتى يظهر من ينظر بعين الحق للحقائق ممن تبهره الظواهر فتسلبه إدراكه فيغدو لا يفرق بين اللب والقشور.
[إقتداء]
علمنا من هذه الآية وغيرها أن الله تعالى يمتحن عباده ويختبرهم ليظهر حقائقهم، فلنقتد به تعالى في هذا فنبني أمورنا على الإمتحان والإختبار فلا نقرر علماً، ولا نصدر حكماً إلا بعد ذلك وخصوصاً في معرفة الناس والحكم عليهم، فالظواهر كثيراً ما تخالف البواطن