للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبيان والتقريب وتوجيه النظر ففيها لباب علمه وأثر من آثار قريحته تجلت فيها روح بحثه وغوصه على مسائل دقيقة قل أن تسنى نغيره من المعاصرين الوصول إليها. وليس معنى هذا أن سائر ما طبعه الشيخ غير مفيد، المقصود أنه كتب لغرض خاص أريد به تثقيف الناشئة وهذه الكتب هي التي ظهرت فيها شخصية الشيخ وثقوب ذهنه وسعة مداركه وتلطفه في إبلاغ المعاني إلى العقول وحرصه على أن يحيل في الأكثر على عالم تقدمه. لأن الناس في المادة يقدسون الأموات أكثرمن الأحياء. والشيخ وإن كان في مذهبه الديني إلى الاجتهاد لكنه في مذهبه التأليفي أقرب إلى التقليد ينشيء على مذاهب القدماء ولكن بتنسيق وتقسيم بدون أن يشوش القارىء. ولو تيسر للأستاذ أن يسير على نظام أكمل من الذي سار عليه في معيشته وساعده الزمان والمكان على تجويد مصنفاته والصبر عليها قبل نشرها لخلف كتبا وخصوصا في العشرين سنة الأخيرة من عمره تقرأ فيها صورة عظيمة من جهاده ونبوغه. وبلغني أنه دون بعض الوقائع التي شهدها ولم نعثر عليها بين أوراقه الخاصة التي سرق بعضها وقت انتقاله من مصر إلى الشام. ويقيني أن الرجل لو وفق إلى طابعين أغنياء فضلاء يحملونه على العمل على ما خص به من النشاط وشدة الحركة لأنتجت قريحته أكثر مما أنتجت في الفروع المختلفة التي طرقها ووزع قواه فيها ولكن تفانيه في الإسراع بحمل النور إلى العقول وفدح التبعة التي أخذها على نفسه في الإسراع بإنهاض أمته دعواه إلى أن يكتفي بما تهيأ له وضعه وتأليفه ناظرا فيه إلى مصلحة الناس لا إلى مصلحته الخاصة وشهرته في حياته وبعد مماته.

كان محيط الشيخ الذي عمل فيه على عهد الشباب والكهولة ضيق المضطرب لا يتسع لانبعاث همته وكانت المطالب التي يتقاضاها منه حرصه على بث الإصلاح والتعليم كثيرة لا يقوى الفرد على حملها

<<  <  ج: ص:  >  >>