جمهرة الفقهاء في عصره تكفر ابن تيمية تعصباً وتقليداً لمشايخهم فلم ير الشيخ لتحبيبهم بابن تيمية إلا نشر كتبه بينهم من حيث لا يدرون. فكان يستنسخ رسائله وكتبه ويرسلها مع من يبيعها في سوق الوراقين بأثمان معتدلة لتسقط في أيدي بعضهم فيطالعونها وبذلك وصل إلى غرضه من نشر آراء شيخ الإسلام التي هي لباب الشريعة.
هذا وليس الشيخ في مذهبه على الحقيقة حنبلياً ولا مالكياً ولا حنفياً بل هو مسلم يأخذ من أصل الشريعة باجتهاده الخاص ويحسن ظنه بأئمة المذاهب المعروفة، ويتجهم لمن يجرأ على النيل من أحدهم. يعمل بما صح له من الدليل في الكتاب والسنة ولطالما أعطى الحق لعلماء الشيعة أو الإباضية أو المعتزلة في مسائل تفردوا بها وضيق فيها أهل السنة. أما الفلسفة أو الحاكمة القديمة والفلسفة الحديثة فكان يعطف فيها عليها وعلى المشتغلين بها وينحي باللائمة على المتأخرين الذين أوصدوا بابها فأظلمت العقول وضعف مستواها.
كان الشيخ ينكر على الظالمين سيرتهم ويقبح الظلم وإن نال عدوه وينصف الناس من نفسه بعض الشيء وكان الحكم معه في بلية يعرفون أنه ينزع إلى القضاء على سلطتهم الغاشمة ولا يستطيعون أن يقلبوا له ظهر المجن ويظهروا العداء له. وكذلك كان المشايخ معه يبغضون أفكاره ولا يجرأون على مقاومته بسلاحه سلاح العلم والبرهان فكان كثيراً ما يقول ما لنا ولأناس ليس لهم من السلطان علينا غير سلاطة ألسنتهم وكلمات ينفسون عنهم بها وهي لا تخرج إلى أبعد من سقوف بيوتهم وحجرهم، وحدث لبعض أغمارهم أن استعانوا غير مرة بالسلطة الزمنية على توقيف تيار أفكاره وأفكار أنصاره فكان الشيخ يصدهم لما له من التأثير في أهل الحل والعقد ممن كانوا يتمثل لهم عقل الرجل وضعف المبغضين له وكان يحسن مخاطبتهم بلسانهم والقائمون عليه لا يحسنون محاورتهم حتى ولا بلغتهم الأصلية،