للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلاحهم دسائس يحوكونها وتعصبات ينفتونها. ولم يزل جهال الناس كما قال ابن المقفع يحدون علماءهم وجبناءهم، شجعانهم ولئامهم كرماءهم وفجارهم، أبرارهم وشرارهم خيارهم، من أجل هذا كان الأستاذ يتفنن في بث أفكاره بين الخاصة والعامة على صور شتى ويتفانى في نشر العلم والتهذيب والأخذ من القديم والحديث، وكم من عامي أصبح بتعاليمه وتلقينه بالعمل مسائل بسيطة من العلم محدوداً من المتعلمين في جلسات قليلة جلسها معه وسمع مذكراته ومن هذه الطبقة أناس ما فتىء على تنشيطهم حتى ألفوا وطبعوا ولم يكونوا قبله في العير ولا في النفير. وكم من جريدة أو مجلة أو كتاب أو رسالة نشرت في مصر والشام بإرشاده وكان له أسلوب جرى عليه خصوصاً في تفتيش المدارس وهو أن يعلم المعلم ولا يشعره بأنه يعلمه بل يوهمه أنه يذاكره في مسائل التربية والتعليم أو أنه يحاول أن يتعلم هو منه.

وكم من أديب أو عالم أرشده إلى السبيل السوي في أدبه وعلمه وعلمه المظان وأساليب المراجعة، وكثير عدد من اشتغلوا بالآداب أو تعلموا التعليم الثانوي أو العالي في القطر الشامي إن لم يكونوا استفادوا منه مباشرة فبالواسطة، وتلاميذه ومريدوه يعدون بالعشرات من المسلمين وأكثرهم اليوم يشغلون مقامات سامية في دور العلم والحكم وفي التجارة والزراعة. ولم يحد المترجم له عن الخطة التي اختطها لنفسه منذ نعومة أظفاره ودعا الناس إلى إنتاجها حتى آخر أيامه. وخطته الإخلاص والعمل على النهوض بالأمة من طريق العلم وبث الملكات الصحيحة في أهل الإسلام، وثورته ثورة فكرية لا مادية ويقول أن هذا الطريق يطول أمرها ولكن يؤمن فيها العثار والسلامة محققة ثابتة. بحق ما قيل في الشيخ أنه معلمة (أنسيكلوبيديا) سيارة وكيف لا يكون كذلك من آتاه خالقه حافظة قوية وذهنا وقاداً وعقلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>