وأصبح يكتب مترسلا بلا كلفة ولا تعمل، وتعلم الفرنسية والسريانية والعبرانية والحبشية والقبائلية البربرية لغة بلاده الأصلية. ومما ساعده على فتح صدره الرحب لجماع المعارف البشرية غرامه منذ نشأته بجمع الكتب وهو لما يزل في المدرسة الإبتدائية فقد أخذ يبتاع الدشوت والرسائل المخطوطة من دريهمات كان يرضخ بها له والده لخرجه. وكانت الكتب والرسائل تباع في الكلاسة شمالي الجامع الأموي على مقربة من ضريح صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكلما أحرز الشيخ شيئاً من الأوراق والأسفار طالعه بإمعان وخبأه وحرص عليه فاستنار عقله وكثرت معلوماته واجتمعت له بطول الزمن خزانة مهمة من الأسفار قدرتها بستة آلاف مجلد فيها كثير من النوادر المخطوطة.
تولى التعليم لأول أمره في المدرسة الظاهرية الإبتدائية ولما أسست الجمعية الخيرية من علماء دمشق وأعيانها سنة ١٢٩٤ه دخل في عداد أعضائها وكان من أكبر العوامل فيها ثم استحالت هذه الجمعية "ديوان معارف" فعين مفتشاً عاماً على المدارس الابتدائية التي أنشئت على عهد المصلح الكبير مدحت باشا والي سورية سنة ١٢٩٥ه. وكان للشيخ الأثر العظيم في تأسيسها بمعاونة صديقه بهاء الدين بك أمين سر الولاية، وهو أديب تركي كان يحب نهضة العرب كما يحب العلم والأدب. وفي هذه الحقبة ظهر نبوغ شيخنا وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاصها من غاصبيها وحمل الآباء على تعليم أولادهم ووضع البرامج وتأليف الكتب اللازمة للمدارس، كن يقوم بهذه الأعمال المهمة ولا يفتأ يزداد كل يوم علما وتجربة وتفانيا في نهضة البلد وتحسين الملكات وصقل الأخلاق والعادات.
وأنشأ على ذلك العهد أيضا بمعاونة بضعة من أصدقائه "دار الكتب الظاهرية" بدمشق وجمع فيها سنة ١٢٩٦ه ما تفرق من المخطوطات