دخل الشيخ طاهر المدرسة الجقماقية الاستعدادية فتخرج بأستاذه الشيخ عبد الرحمن البوشناقي، وكان مربيا شديد الشكيمة، وتعلم العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبد الغني الميداني الغنيمي الفقيه الأصولي النظار. وكان واسع المادة في العلوم الإسلامية بعيد النظر واسع العقل وهو الذي حال بإرشاده في حادثة سنة ١٨٦٠م بدمشق دون تعدي فتيان المسلمين على جيرانهم المسيحيين في محلته فأنقذ بجميل وعظه وحسن تأثيره بضعة ألوف من القتل في تلك المذابح المشؤومة. وكان الشيخ الميداني على جانب عظيم من التقوى والورع الحقيقي، يمثل صورة من صور السلف الصالح فطبع الشيخ طاهر بطابعه وأنشأه على أصح المبادىء العلمية الدينية. وكانت دروسه دروساً صافية المشارب يرمي فيها إلى الرجوع بالشريعة إلى أصولها والأخذ من آدابها بلبابها، ومحاربة الخرافات التي استمرأتها طبقات المتأخرين وإنقاذ الدين من المبتدعين والوضاعين. وإذ جمع الشيخ طاهر إلى سلامة الفطرة وسلامة البيئة جودة النظر وبعد الهمة جاء منه بالدرس والبحث عالم مصلح وفيلسوف إلهي أشبه الأوائل بهديه، وتمثل بالأواخر في نظره ووفرة مادته.
ولم يغفل الأستاذ خلال سني الدراسة عن درس العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والتاريخية والأثرية، أخذها عن علماء من الترك وغيرهم. فكان إذا رأى أعلم منه بفن أخذ عنه فنه وأفاده فيما لايحسنه من فنون العلم. ومن مثل لعينيه كيف كان محيطه محيطاً أوائل النصف الأخير من القرن الماضي أيام كان يتهم بالمروق كل من تعاطى علماً لا يعرفه المتفقة يدرك ما عاناه الأستاذ لتلقف هذه العلوم المادية. ولم يبلغ الثلاثين من عمره حتى غدا يتقن العربية والفارسية والتركية وينظم بالفارسية كالعربية وكان نظمه بالعربية أرقى من شعر الفقهاء ودون شعر نبغاء الشعراء. وألف السجع لأول أمره ثم تخلى عنه