تعطيهم- وهي الحالة التي تكون فيها تطلب رحمة من ربك راجياً رزقه- فقل لهم قولاً ليناً سهلاً فتواسيهم بالقول عند عدم السؤال، ولا تتركهم في ساحة الإهمال، وردهم الرد الجميل عند السؤال فتقول لهم يرزق الله ونحوه من لين الكلام.
وفي الآية تعليم وتربية للمعسر من ناحيتين، الأولى: معاملته لذوي القربى واليتامى والمساكين عند السؤال وعدمه. وعرف من الآية أنه مطالب بحسن المقال بدلاً مما عجز عنه من النوال. والثانية: أدبه، هو في نفسه والحالة التي ينبغي له أن يكون عليها. فإن حالة العسر حالة شدة وبلاء يحتاج المكلف أشد الحاجة أن يعرف دواءه فيها لسيرته العملية، وحالته النفسية. فأعطته هذه الآية الكريمة الدواء لهما. فأما في سيرته العملية فعليه أن يكون ساعياً في الأسباب حسب جهده وذلك هو ما يفيده قوله:{ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ}. وأن يكون مطمئن القلب بالله معتمداً عليه قوي الثقة فيه. وذلك هو ما يفيده قوله:{تَرْجُوهَا}.
وقد ذكر برحمة الرب- جلَّ جلاله- لوجوه، الأول: تقوية رجائه، فإنه يعلم سعة رحمة الله وغمره بها في كل حين. ومن ذا الذي لم يجد نفحات الرحمات في أكثر الأوقات في أحرج الساعات. الثاني: بعثه على الصبر والتسليم وعدم الضجر والسأم من الطلب والإنتظار، فإنها رحمة الرب، ومن مقتضى ربوبيته تدبيره للخلق بحكمته فما جاء منه كيف جاء وفي أي وقت جاء أبطأ أم تأخر- هو مقبول منه محمود منا عليه. الثالث: بعث عاطفة الرحمة على غيره فإنَّ من كان يرجو رحمة ربه جدير بأن يكون رحيماً بعباده. ورحمته بعباد الله تعينه على القيام بما أمر به من حسن المقال عند العسر وجميل النوال عند اليسر. وتكون سبباً له في رحمة الله إياه والراحمون يرحمهم الرحمن وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.