للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بثلاث عشرة سنة وما نشأ عنه من حرمان عدد غفير من تكميل التعليم مثلما أحدث هذا القرار المشؤوم- وكان من مظاهر النهضة ازدياد عدد الراغبين في دخول المدارس الثلاث الإسلامية الحكومية ولكنهم كانوا يردون لأن عدد تلاميذها محدود وكان من مظاهرها فتح المكاتب لتعليم أبناء المسلمين الذين لا يجدون مقاعد في المكاتب الفرنسية أو الذين وجدوا لكن من غير أوقات المكتب- لتعليم هؤلاء- قواعد وعقائد وآداب الدين ولغة الدين إلى جانب القرآن العظيم، وكان من مظاهرها تأسيس النوادي حتى أسست في رؤوس الجبال.

لم ترق هذه النهضة الدينية العلمية في نظر الحكومة فأخذت في مقاومتها وابتدأ ذلك بالامتناع من إعطاء الرخص ثم بغلق المكاتب في نواح عديدة ثم بسوق المعلمين للمحاكمة.

ضجت الأمة من هذا واستاءت وتألمت فرفعت صوتها بالشكوى بلسان نوابها وأقلام كتابها، وبلسان مؤتمرها العام وبلسان وفد ذلك المؤتمر فسمعت الوعود من حكومة باريس ومن ولاية الجزائر.

ثم بينما الأمة تنتظر الوفاء بتلكم الوعود رغم ما تشاهده من ازدياد الإدارة في الشدة إذا هي تفاجأ بقرار ٨ مارس الذي كان مطبقا بفرنسا منذ أكثر من نصف قرن دون أن يكون له ذكر في الجزائر فلما انبعثت الأمة في نهضتها الدينية العلمية بعث لها هذا القرار المشؤوم وأخذ في تطبيقه بكل شدة وصرامة، فلم يبق أحد إلا فهم القصد من بعث هذا القرار المشؤوم في هذه الظروف وما سبقها وما لحقها وما زال مستمرا إلى اليوم- إلا وهو معاكسة تعليم الدين ولغة الدين، وجاء قبله قرار منع النوادي الإسلامية من بيع المشروبات وهي مشروبات حلالية طبعا، فانفضح القصد حتى لدى حمار توما وراكبه (١).


(١) قال حمار الحكيم توما ... لو أنصفوني ما كنت أركب
لأنني جاهل بسيط ... وراكبي جاهل مركب

<<  <  ج: ص:  >  >>