وقد جاء ما نصه في الأمر المذكور: "لا يمكن لأي متوظف تونسي ما عدا حكام المحاكم الشرعية أن يحرز على تسميته بصفة رسمية إلا إذا أثبت تحصيله على نفس درجة المعارف المذكورة في اللغة الفرنسوية.
فمفهوم هذا الفصل ومنطوقه يدلان على أن لن يستطيع التوظف من خريجي المعهد الزيتوني في أي إدارة تونسية إلا من كان محرزا على مبادئ اللغة الفرنسية، وبما أن القانون المذكور لم يترك أجلا في وجه المتعلمين لتعاطي الدروس الفرنسية، وبما أنه لا يوجد بين أساطين الجامع الأعظم شيوخ يلقنون إلى جانب شرح ميارة وحاشية التاودي مبادئ A. B. C. D.، فإن طلبة الجامع الأعظم رأوا أن جهودهم كلها أصبحت عبثاً، وأن آمالهم جميعا قد انهارت وأنه فيما عدا القضاة ورجال الإفتاء وهم رؤساء المحاكم الشرعية، لا يستطيع أن يتطلب منهم التوظيف أحد.
أضرب الجامع عن تلقي الدروس، ووقعت المظاهرات الهادئة الرصينة فقلبتها أعمال البوليس مظاهرة حادة دامية، وأوصدت المدينة التونسية أبوابها احتجاجا وتضامنا مع طلبة الكلية الزيتونية، فما كان لذلك من أثر عند الإدارة التونسية إلا أمرها بإبعاد فوج جديد من التونسيين إلى برج لوبوف وتقديم جماعة كبيرة إلى المحاكم الفرنسية فنالوا عقابا صارما من السجن والإبعاد. وهكذا استمر مسيو بيروطون على سياسة العنف الفاشستي إلى آخر لحظة من مدة حمكمه بتونس.
أصدرت الحكومة بلاغا تناقض فيه نفسها، وتخفف وطأة قانونها الأخير، فقالت في ذلك البلاغ أن الزيتونيين الذين لا يحسنون الفرنسية قد بقيت أمام وجوههم عدة وظائف يمكنهم التطلع إليها كأعضاء المحاكم الشرعية وأعوانها الإداريين كالعدول المحررين والكتبة والنساخين