لذلك لم ينقم منهم البطش لأنه بطش وإنما نقم منهم بطش الجبابرة الذي كله ظلم.
وفي القرآن ما هو كالتتمة لبحثنا عن حضارة العرب وكالعلاقة لحضارة عاد بعينها وهي حكاية عاد إرم ذات العماد.
فهذا الوصف البليغ الذي نقرؤه في سورة الفجر صريح بألفاظه ومعانيه في أنه وصف لحضارة عمرانية لا نظير لها, فالعماد لا تكون إلا في القصور والأبنية الباذخة والمدن المخططة على نظام محكم, وقد قال تعالى وهو العالم بكل شيء أنه:{لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} ومدينة هذا وصفها لا تشيدها إلا أُمة لا نظير لها في القوة وآثار الحضارة يتبع بعضها في الضخامة والعظم والوصف القرآني لها وإن سيق للاتعاظ بعاقبتهم يدل الباحث التاريخي على أنهم بلغوا في الحضارة غاية لا وراءها, وهم أمة عربية. فهذه المدينة شيدت في جزيرة العرب لا محالة. وأن الأقرب في التذكير بهم والاتعاظ بمصيرهم أن تكون الرؤية في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ} علمية لأن التذكير عام لمن تتيسر له رؤية العين ولمن لم تتيسر له, ولو ائتمرت الأمم الإسلامية بأوامر القرآن لنشأ فيها رواد يرودون الجزيرة ويجوبون مجاهلها ولو فعلوا لأمكن أن يعثروا على آثار هذه المدينة أرض عاد وهي معروفة ويجمعوا بين الرؤية البصرية والرؤية العلمية وبين العلم والاتعاظ وإننا لا نعبأ في مقام البحث العلمي بما حف هذه الحكاية من أساطير. ولا بما وقع فيه شيخ المؤرخين ابن خلدون حينما تعرض لنقض تلك الأساطير (١).
(١) ش: ج ٢، م ١٥ ص ٧٠ - ٧٤ غرة صفر ١٣٥٨ه - مارس ١٩٣٩م.