بحال الأرض وطبائعها وأحوال الأشجار المغترسة وطبائعها وأحوال الفصول الزمنية وأحوال الجو وأحوال التلقيح والآبار والجني وعلم بأصناف التمتع من مناظر ومجالس ومقامات ومآكل. ثم القيام على حفظ ذلك العمران من إفساد الأيدي السارقة وكل هذا مما يستلزمه وصف القرآن لحالهم لأجل تذكيرهم والتذكير بهم, وقد ذكرهم القرآن في مواضع بإتقانهم لنحت الحجر, والشجر والحجر آيتا الحضارة المبصرتان, ومن يعرف الحضارة الرومانية بهذا الوطن يعرف أنها ما قامت إلا على نحت الحجر وغرس الشجر.
وإن نحت الحجر ليستدعي حاسة فنية ويستدعي مع ذلك قوة بدنية وقد نعتهم القرآن في نحتهم للحجر بحالة ملابسة فوصفهم مرة بأنهم آمنون ومرة بأنهم فرهون، والفاره هو الذي يعمل بنشاط وخفة ولا يأتيه ذلك إلا من خبرته بما يعمل وعلمه بدقائقه واعتياده له. ومعنى هذا أن أصول هذه الصناعة التي اشتهر بها المصريون القدماء والرومان قد رسخت فيهم ولكن التاريخ المنقول ظلم العرب وبخسهم حقهم كما قلت لكم في طالعة هذا الخطاب.
هاتان أمتان من الأمم العربية أثبت القرآن حالهما فكان لنا مصدرا تاريخيا معصوما في إثبات حضارة الشعوب العربية التي بزت فيها الأمم.
ولننتقل الآن إلى ناحية أخرى من نواحي الجزيرة العربية وهي اليمن التي عرفها اليونان وغيرهم وعرفوا المدنيات التي قامت فسموها بالعربية السعيدة وإننا إذا انتقلنا إلى هذه الناحية من الجزيرة نجد العز القدموس والمجد الباذخ والماضي الزاهر لهذه الأمة التي نفتخر بالانتساب إليها ونباهي الأمم بمدنياتها بالحق والبرهان. وإننا في حديثنا عن اليمن لا نخرج عن شواهد القرآن.