كما يوصف بها مثلا سلاح من صنع ولدف (١) بأنه طيب يعجب به، لأنه جمع كل الصفات التي تنشد في مثله. وعلى هذا المعنى أقول: إن ابن سعود رجل طيب. وهو عميق الغور يميل للوحدة ولا يتبع في أعماله سوى الدوافع المنبعثة من أعماق نفسه، وقد يخطيء فيما يفعله ولكنه لا يخطيء قط الرغبة في الشرف أمام ضميره، فهو ملك على نفسه قبل أن يكون ملكا على العرب.
ولد عبد العزيز بن سعود قبل خمسين سنة تقريبا في الرياض (وسط بلاد العرب) وهو وليد فرع من الأسرة المالكة التي أخضعت لحكمها جزءاً كبيراً من شبه جزيرة العرب، ثم أخذت في الاضمحلال حتى اضطرت في آخر الأمر إلى أن تنزل عن البقية الباقية من ملكها إلى أسرة ابن رشيد التي كانت قديما من اتباعها والتي نشأت في حايل (في شمال بلاد العرب). وكان ابن سعود إذ ذاك في باكورة طفولته ونشأ في كبريائه وتحفظه، وهو يرى أميرا أجنبيا يحكم الرياض مسقط رؤوس آبائه نائبا عن ابن رشيد، ومكث عبد العزيز بن سعود وذووه يعيشون من راتب تفضل به ابن رشيد عليهم، يحتملهم ولا يكاد يخشى من جانبهم ضرا. ولكن ذلك شق على عبد الرحمن والد عبد العزيز رغم ميله إلى السكون، فهاجر مع أولاده وما يملكه إلى الكويت ليقضي بقية حياته في بيت سلطانها. وكانت بينهما مودة ولكنه لم يكن يدري شيئا عن مستقبل ولده والميول التي تجيش في صدره.
ولعل أحداً من الناس لم يتبين قلب عبد العزيز في عاطفته وخفقه، ولم يدرك شيئا من طموح نفسه وعظمة مستقبله إلا عمته العجوز، والظاهر أنها كانت تحبه كثيرا وترعاه وهو صغير فإذا ألفت نفسها في
(١) بلدة بالأندلس مشهورة قديما بصنع أجود السلاح وذلك في أيام العرب.