ثم أخذ الأستاذ ابن باديس بعد هذه المقدمة المفيدة في ذكر نواحي الفقيد المحتفل بذكراه فقال: إن لهذا السيد العظيم البشير صفر نواحي ثلاثا جديرة بالتنويه أذكرها لكم فيما يلي:
أولا- أنه رجل بنى ما أخذه من العلوم باللغات الأجنبية على ثقافة إسلامية عربية، وبذلك استطاع أن يخدم أمته وأن يحتل قلبها.
ثانيا- أن هذا الرجل لما تخرج من الصادقية ورجع بما رجع به من الديار الباريسية من العلم عرض عليه الوظيف فأباه ..... ولم يقبله حتى أشار عليه بقبوله الوزير المرحوم السيد العزيز بوعتور فقبل إذ ذاك الوظيف وجعله آلة لنفع أمته لا آلة لإشباع معدته.
ثالثا- أنه دخل الوظيف فلم يكن الوظيف له سجنا أو قفصا أو قيداً - كما قد يقصد به- إذ الوظيف لا يكون إلا (١) بمثابة السجن والقيد إلا للصغار من الناس لا لعظماء الرجال. فلقد أدى السيد البشير صفر- وهو في الوظيف- للصحافة والفلاحة والمعارف أجل الخدمات.
فهذه هي نواحي الكمال الثلاث التي يمجد بها الرجل. لكنه لما دخل العمل المخزني قصر في العمل، ولعله كان معذورا وقد عذرته الأمة.
وختم الأستاذ عبد الحميد بن باديس خطابه الارتجالي البليغ ببسطة عن مشاركة المرحوم الشيخ النخلي للفقيد في تشييد النهضة العلمية المباركة ومقاومة الركود والجمود وقال: هذان الرجلان العظيمان نقدمهما لأبنائنا لينحوا نحوهم ويقتفوا أثرهم لنصل إلى سعادة البشرية كلها لا سعادة الشمال الإفريقي أو تونس فقط.
والسلام عليكم ورحمة الله.
(١) كذا في الأصل ويمكن أن يكون التعبير: لا يكون بمثابة السجن والقيد إلا للصغار.