الضد للضد. فكما باين التوحيد الشرك باين هو المشركين وذلك معنى قوله:{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وهذه البراءة والمباينة، وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه فإنها نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين (والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جلية وخفيه) في جميع مظاهر شركهم حتى في صورة القول كما شاء الله وشاء فلان. فلا يقال هكذا ويقال: ثم شاء فلان، كما جاء في حديث بيناه في جزء من الأجزاء الماضية، أو في صورة الفعل، كأن يسوق بقرة أو شاة مثلاً إلى ضريح من الأضرحة ليذبحها عنده فإنه ضلال كما قاله (الشيخ الدرديري في باب النذور). فضلاً عن عقائدهم كاعتقاد أن هنالك ديواناً من عباد الله يتصرف في ملك الله، وأن المذنب لا يدعو الله وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات، وذلك الميت يدعو له الله.- لتأكيد أمر المباينة للمشركين، في هذا كله نص عليها بالتصريح كما قلنا، وللبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه وخفيه.
والمباينة والتَّبري لازمة من كل كفر وضلال، وذلك مستفاد من الدعوة إلى الله وتنزيهه. وإنما خصص المشركين لما تقدم، ولأن الشرك هو شر الكفر وأقبحه. ولما كانت هذه المباينة والبراءة داخلة في الدعوة إلى الله وتنزيهه، فالمسلمون المتبعون لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - كما يدعون إلى الله على بصيرة وينزهونه، يباينون المشركين في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم ويطرحون الشرك بجميع وجوهه ويعلنون براءتهم وانتفاعهم من المشركين. والحمد لله رب العالمين (١).
(١) ش: ج ١، م ١١ ص٤ - ١٠، محرم ١٣٥٤هـ - افريل ١٩٣٥م.