ولذا لما خير النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بين أن يكون نبياً عبداً، فإن الملك لا بد له من مظاهر السيادة والسلطان، وإن كان بعدل وحق كملك داوود وسليمان- عليهما الصلاة والسلام- فاختار النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن يكون نبيا بدون هذا المظهر وكان الذي اختار أفضل.
وكان- صلى الله عليه وآله وسلم- في جميع حياته على أكمل حال في التواضع الذي هو من مظاهر كمال عبوديته لربه وكان يقول - صلى الله عليه وآله وسلم-: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد».
وأما قوله "ورسولك" في الحديث المذكور فإن الرسول هو من بعثه الله تعالى- فضلا منه- ليبلغ شريعة، وقيامه بأعباء الرسالة هو من طاعته وعبوديته لربه.
فقدم لفط العبد على لفط الرسول تقديم العام على الخاص، وتقديم (١) الشرط على المشروط فإن الرسالة لا يفضل بها الله تعالى إلا أكمل عباده و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وتقديم الترتيب لأنه كان عبداً قبل أن كان رسولاً، ولأن العبودية للخالق، والرسالة فيها انصراف- بأمر الله- للخلق.
والعبودية والرسالة هما الوصفان اللذان أمرنا النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن لا نتجاوز حدهما في الثناء عليه. فقد قال- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» فنهانا عن إطرائه في المدح وهو
(١) لا تنس أن الشرط لا يلزم من وجوده الوجود فلا يلزم من وجود كمال العبادة- فرضا- وجود الرسالة لأن النبوة لا تكتسب.