وشدة حاجتها، فكان هذا الترجيح لجانبها من عدل الحكيم العليم، ومحاسن الشرع الكريم. ومن الإحسان إليهما طاعتهما في الأمر والنهي، ومن عقوقهما مخالفتهما فيهما. وإنما تحل له مخالفتهما إذا منعاه من واجب عيني أو أمراه بمعصية، لما في الصحيح من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا طاعة لأحد في معصية الله أنما الطاعة في المعروف" وعند الحاكم وأحمد: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". ومن الدليل على رجحان جانبهما على الواجب الكفائي ما ثبت في الصحيح من حديث الرجل الذي أتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد، وفي الطريق الثاني قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أقبل رجل إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله؟، قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما قال: فتبغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما. هذا لأن القيام عليهما فرض عيني، والجهاد كان عليه فرض كفاية، ولو تعين عليه، ولم يكونا في كفاية قدم القيام عليهما وكفايتهما عليه. ومن حقوقهما عليه أن لا يخرج إلى ما فيه خوف ومخاطرة بالنفس إلا بإذنهما بدليل ما جاء في سنن أبي داود: أنَّ رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي. قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع إليهما فاستأدنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما. أما إذا أراد تعاطي ما لا خطر فيه ولا فجيعة من شؤون الحياة ووجوه التصرفات فليس عليه أن يستأذنهما وليس لهما منعه، ولكن إذا منعاه من شيء امتنع لوجوب برهما، وطاعتهما.- في غير المعصية- من برهما.