يتحمل كل ذلك منهما ونهي عن التضجر منهما. ومن ضرورة مبايتنهما لولدهما في السنِّ وفي النشأة أنهما كثيراً ما يخالفانه في آرائه وأفكاره، وقد يتناولان ما لا يحب أن تصل يدهما إليه، وقد يسألانه للمعرفة أو للحاجة، وكل هذا قد يؤديه إلى نهرهما، أي زجرهما بصياح وإغلاظ أو إظهار للغضب في الصوت واللفظ، فنهى عن هذا بقوله تعالى:{وَلَا تَنْهَرْهُمَا}. وفي هذا أمر بالتلطف معهما في الطلب والعرض والدلالة على وجه الصواب في الأمر وأبواب الفعل والترك، وبحسن التلقي لكل ما يسألان ويطلبان، ونهى عن أي إغلاظ في اللفظ والصوت وحالة الكلام. ولما نهاه عن القول القبيح المؤذي أمره بالقول اللين السهل الحسن في لفظه وفي معناه وفي قصده وفي منشأه السالم من كل عيب ومكروه بقوله تعالى:{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}. وفي هذا أمر بأن يخاطبهما بجميل القول ويؤنسهما بطيب الحديث، ونهى عن أن يؤذيهما في قوله أو يوحشهما بطول السكوت فليس له أن يتركهما وشأنهما، بل عليه مجالستهما ومحادثتهما وجلب الأنس إليهما وإدخال السرور عليهما. ثم أن القول إنما هو عنوان ما في الضمير، ولا يكون كريماً شريفاً إلا إذا كان عنواناً صادقاً حسن مظهره ومخبره وعذب جناه وطاب مغرسه، وما ثماره إلا معانيه، وما مغرسه إلا القلب الذي صدر عنه. فيفيد هذا أن على الولد أن يكون معهما باللطف والعطف من صميم قلبه كما هو يعرب لهما عنهما بلسانه فيكون محسناً لهما حينئذ في ظاهره وباطنه وذلك هو تمام البر الذي أمر به.
مضى فيما تقدم أدب القول، وهذا أدب الفعل وبيان الحال التي يكون عليهما. فالوالدان عند ولدهما في كنفه كالفراخ الضعيفة المحتاجة للقوت والدفيء والراحة، وولدهما يقوم لهما بالسعي كما يسعى