للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يعارضها بمثلها في الرتبة والدلالة. وأطال بما بعضه خارج عن محل النزاع، وبعضه هو نفس الدعوى المحتاجة إلى الاستدلال. فرأينا أثر اطلاعنا على مقاله أن نعود في هذا الجزء لذكر أدلتنا التي اعتمدنا عليها فيما اخترناه من أن وضع العبادة الشرعية على رجاء الثواب وخوف العقاب، وبيان دلالتها على المدعي، ثم نتكلم على بعض ما في مقاله، فنقول:

إن العبادة هي غاية الذل والخضوع مع الشعور بغاية الضعف والافتقار، ومن مقتضى الضعف أن يخاف ويوجل، ومن مقتضى الافتقار أن يرجو ويطمع. فخوف العبد من عقاب ربه هو من مقتضى اعترافه بضعفه وقوة ربه وشهوده لعزته وقهره وعموم تصرفه في خلقه، وأنه لا معقب لحكمه وأنه لا يؤمن من مكره، وطمعه في ثوابه هو من مقتضى اعترافه بحاجته وفقره وغنى ربه وفضله وتصديقه بوعده فهو يعبده ويخاف أن لا يقبل عبادته ويخشى نقمته. ويعبده ويرجو رحمته وينتظر مثوبته، وفي عبادته هذه إظهار لغاية العبودية بنقصها وحاجتها وقيام بحق التعظيم والإجلال للربوبية والإعتراف لذلك المقام بالقدرة والعزة والغنى والرحمة والكمال.

فوضعت العبادة في الدين على خوف العقاب ورجاء الثواب لما في ذلك من إظهار غاية عبودية العبد بضعفه وافتقاره أمام ربه الغني الرحيم القوي المتين. والدليل على هذا ستسمعه من الكتاب والسنة وأقوال السلف.

أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>