والشرع والقرآن، مع يقينه بما علم منها، ان ما عجز عن إدراكه ما هو إلاّ مثل ما عرف في الحق والحكمة والنعمة، إذ الجميع- ما عرف وما عجز عنه- من إله واحد حكيم خبير رحمن رحيم. فليذكر الناظر في خلق الله وقدره وشرعه وكلامه دائما هذه الحقيقة، وهي ثبوت الحق والحكمة والنعمة في جميعها، وإمكان عجز عقله في بعض المواضع والأحوال عن إدراكها فيكون عمله في خلق الله هو النظر والبحث والتعليل والاكتشاف واستجلاء الحقائق الكونية واستخراج الفوائد العلمية والعملية إلى أقصى حد توصله اليه معلوماته وآلاته حتى إذا انتهى إلى مشكل استغلق عليه اعترف بعجزه ولم يرتكب من الأوهام والفروض البعيدة ما يكسوا الحقيقة ظلمة، ويوقع الباحث من بعده في ضلالة أو حيرة، فكثيراً ما كانت الفروض الوهمية الموضوعة موضع اليقينيات سببا في صد العقول عن النظر وطول أمد الخطأ والجهل، ويكون عمله في قدر الله هو الاعتبار في تصاريف القدر، والاتعاظ بأحوال البشر، واستحصال قواعد الحياة من سير الحياة، فإذا رأى من تصاريف القدر ما لم يعرف وجهه ولم يتبين له ما فيه من عدل وحكمة واحسان ورحمة، فليذكر عجزه وليذكر ظهور ما خفي عنه من مثل ذلك في وقت ثم ظهر له فيوقن ان هذا مثله، وانه إذا طالت به الأيام قد يظهر له من وجهه ما خفي منه، فيتلقاه الآن بالتسليم والتنزيه، راداً علمه إلى الله تعالى مفوضا أمره إليه، ويكون عمله في شرع الله هو الفهم لنصوص الآيات والأحاديث ومقاصد الشرع وكلام أئمة السلف، وتحصيل الاحكام وحكمها، والعقائد وأدلتها، والآداب وفوائهدها، والمفاسد وأضرارها، حتى إذا بلغ إلى حكم لم يعرف حكمته وقضاء لم يدر علته ذكر عجزه فوقف عنده، فلم يكن من المرتابين ولا من المتكلفين، ولم يمنعه عجزه عن تعليل وتبين وجهه ذلك القليل عن المضي في التفهم والتدبر لما بقي له من