للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد. يعنون أنه آتٍ وأن الآتي به حوادث الزمان ووقائع الأكوان وكل عالم بعدهم فإنما يعطي صورة زمنه بعد أن يكيف بها نفسه.

ولو أننا عرضنا حديث التربة والريقة على طائفة من الناس مختلفة الأذواق متقسمة الحظوظ في العلم وسألناهم: أية علاقة بين الشفاء وبين ما تعاطاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أسبابه في هذا الحديث؟ فماذا تراهم يقولون؟

يقول المتخلف القاصر: تربة المدينة بِرِيق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شفاء ما بعده من شفاء.

ويقول الطبيب المستغرب: هذا محال في التراب مكروب. وفي الريق مكروب. فأنَّى يشفيان مريضا أو ينفسان عن مكروب.

ويقول الكيمياوي: ها هنا تفاعل بين عنصرين، ودعوا التعليل، فالقول ما يقول التحليل.

ويقول ذوو المنازع القومية والوطنية، ولو كانوا يدينون بالوثنية: آمنا بأن محمدًا رسول الله. فقد علّم الناس من قبل أربعة عشر قرنًا أن تربة الوطن معجونة بريق أبنائه تشفي من القروح والجروح. ليربط بين تربته وبين قلوبهم عقدًا من المحبة والإخلاص له. وليؤكد فيها معنى الحفاظ له والاحتفاظ به وليقرر لهم من منن الوطن منة كانوا عنها غافلين. فقد كانوا يعلمون من علم الفطرة أن تربة الوطن تُغذي وتُروي، فجاءهم من علم النبوة أنها تَشْفي، فليس هذا الحديث إرشادا لمعنى طبي ولكنه درس في الوطنية عظيم. ولو أنصف المحدثون لما وضعوه في باب الرقى والطب فإنه بباب حب الوطن أشبه، وما نرى رافع لعقيرة بقوله:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادٍ وحولي إذْخر وجليل

وهل أرِدَنَّ يومًا مياه مجنة ... وهل يبدوَنَّ لي شامة وطفيل

<<  <  ج: ص:  >  >>