للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله مع كل من هذين المربيين واقعة هي التي جعلته يتجه اتجاهاً معيناً سواء من الناحية العملية أو النظرية وهذا حديثه عن تينك الواقعتين قال:

"وإني لأذكر للأول (حمدان لونيسي) وصية أوصاني بها، وعهداً عهد به إليَّ. وأذكر أثر ذلك العهد في نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله، فأجدني مديناً لهذا الرجل بمنَّة لا يقوم بها الشكر، فقد أوصاني وشدد عليَّ أن لا أقرب الوظيفة ولا أرضاها ما حييت، ولا أتخذ علمي مطية لها، كما كان يفعله أمثالي في ذلك الوقت. وأذكر للثاني (محمد النخلي) كلمة لا يقل أثرها في ناحيتي العلمية عن أثر تلك الوصية في ناحيتي العملية، وذلك أني كنت متبرماً بأساليب المفسرين وإدخالهم لتأويلاتهم الجدلية واصطلاحاتهم المذهبية في كلام الله، ضيق الصدر من اختلافهم فيما لا اختلاف فيه من القرآن، وكانت على ذهني بقية غشاوة من التقليد واحترام آراء الرجال حتى في دين الله وكتاب الله فذاكرت يوماً الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق فقال لي: "إجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذه الأقوال المختلفة، وهذه الأراء المضطربة، يسقط الساقط ويبقى الصحيح، وتستريح .. فوالله لقد فتح بهذه الكلمة القليلة عن ذهني آفاقاً واسعة لا عهد له بها" (١) فهذا النص في غاية الأهمية من حيث دلالته على مدى تأثره في تكوينه بهذين الأستاذين، ومن الأساتذة الذين أثروا فيه وكونوا جانباً من أهم جوانبه، وهو جانب الأدب وتذوق الآثار الفنية الشيخ محمد الطاهر بن عاشور زميل الأستاذ النخلي في نسبتهما إلى البدعة والضلال اللذين كانا يوصفان بهما لأنهما يناضلان عن آراء محمد عبده وينشرانها في صفوف طلابهم، يقول ابن باديس "وإن أنس فلا أنسى دروساً قرأتها من ديوان الحماسة على الأستاذ ابن عاشور


(١) ن. م.

<<  <  ج: ص:  >  >>