هذا وقد ذهب قوم إلى أن أحمد من فعل حمد المبني للغائب على معنى أنه أكثر محمودية من غيره. وتنتفي مرادفته للأول بجعل الأول راجعا للملكية أي لكثرة الصفات التي يحمد عليها، وجعل هذا راجعا للكيفية أي أفضلية ما يحمد به. والذي يقرر هذا هو الإمام ابن قيم الجوزية ويقول في تقريره؛ لو كان أحمد من المبني للفاعل لكان الأولى أن يسمى حمَّادا لأنه هو الذي يفيد كثرة الحمد. وهذا من هذا الإمام على جلالته سهو وغفلة فإن أحمد عندما يكون منقولا من اسم التفضيل المسند للفاعل يفيد تفضيله على جميع الحامدين المقلين والمكثرين فهو الأكثر حمدا لله من كل من أقل أو كثر. وأما حماد فإنما يفيد كثرة حمده ومن كثر حمده قد يساويه أو يفوقه فيه غيره فأما أحمد فيفيد- خصوصا مع حذف المتعلق- أنه بلغ من كثرة الحمد إلى مقام كان فيه أكثر حمدا لله من كل حامد.
على أن- هنالك شيئا آخر لا بد من ملاحظته وهو أن الإسمين يراد بهما الدلالة على تكميل الله له من ناحيتين، الناحية التي يكون فيها في مقام التعظيم والتكريم بالثناء عليه وهو ما يقتضيه اسم محمد. والناحية التي يكون فيها في مقام الخضوع والخشوع بحمده لله تبارك وتعالى وثنائه عليه، وهو ما يقتضيه اسم أحمد المنقول من المسند للفاعل، فمحمد دلنا على مقامه الأول الذي يكثر فيه له الحمد، وأحمد دلنا على مقامه الثاني الذي يكثر فيه منه الحمد، ودلنا على أنه في هذا المقام قد فاق سواه وكان فيه لا تظير له. وهذا المعنى لا يمكن أبدا أن يستفاد من حماد. على أن أحمد المأخوذ من السند إلى الفاعل هو الذي يجري القياس، والمتبادر إلى الأذهان عند سماع اسم التفضيل هو الإسناد إلى الفاعل ولا يفهم الاسناد إلى المفعول إلا بقرينة.
وحمده الله الذي فاق فيه كل حامد لا يكون إلا عن إيمانه ومعرفته