بمعنى تقدير الأرزاق والآجال وغيرها لوقوع هذا التقدير فيها، وهي ليلة قدر وشرف لنزول القرآن فيها. وللطاعات فيها قدر وفضل على الطاعات في غيرها، وهي ليلة تكثر فيها الملائكة بالأرض كثرة لا تكون في غيرها لقوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}. وعلى تفسير القدر بمعنى تقدير أمور الخلق يقال: كيف يتجدد هذا التقدير كل سنة وقدر الله أزلي؟ وقد نقل البغوي جواب هذا السؤال في تفسيره فقال:
" قيل للحسن بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: نعم. قيل: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير التي خلقها إلى المواقيت تنفيذاً للقضاء المقدر". وقد استبان من هذا أن الليلة التي تقدر فيها أمور الخلق هي الليلة التي قال الله فيها:{خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. وسماها في آية الدخان مباركة إذ قال:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. فليلة القدر والليلة المباركة إسمان لليلة واحدة، هي ليلة إنزال القرآن. وهذه الليلة في رمضان لقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وليست في شعبان كما يظنه العوام الذين يفرقون (١) بين ليلة القدر والليلة المباركة ويعتقدون اعتقادا مخالفا للقرآن، أن الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، وبعض العوام يسمون ليلة النصف من شعبان ((ليلة قسام الأرزاق)) ولهم في هذه الليلة خرافات يبنونها على أساس الجهالات. وغرضنا من هذا التنبيه إرشاد المسلمين إلى معرفة هذه الليلة معرفة صحيحة كما نطق الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبهذه المعرفة على هذا الوجه تتطهر عقولهم من خرافات وتزول عنهم جهالات.