رجع الإمام من الأناضول بعد ما أنكر الكماليون جميله واستثقلوا بقاءه، ما آوته إلا الحكومة السنية حكومة ابن سعود فأقام عندها في الحجاز مكرما مبجلا. وأما الحكومة المصرية الطرقية فإنها أبت عليه أن يدخل مصر مراعاة لوعد كانت أخذته عليها إيطاليا في شأن الإمام. ولم ينته احترامها لهذا الوعد القاضي بحرمان إمام عظيم من دخول أرضها عند هذا الحد الاعتيادي عند من لا يراعي إلا جهة واحدة وإن أغفل جهات عديدة، بل تجاوز تصلب حكومة مصر ويبسها إلى منعه من دخول مصر في الحالة التي يرثي فيها العدو لعدوه ولو كان كعداوة إيطاليا للإمام. ذلك أن الإمام لما مرض مرضه الأخير واشتد به الألم رغب في التداوي بمصر فطلبت حكومة الحجاز من حكومة مصر السماح له بذلك وكانت الحكومة المصرية في انتظار قدوم ملك إيطاليا فماطلت ولم تجب حتى مات الإمام دون أن تسمح له بالدخول لأجل التداوي.
نحن لا نتكلم على هذه المسألة من ناحيتها السياسية وإنما نتكلم عليها من ناحيتها الإنسانية ومن ناحيتها الدينية على الخصوص. فالحكومة السعودية التي طهرت الحجاز من البدع والضلالات والخرافات ورجعت اتباع الطرق التي تسمي نفسها الطرق الصوفية إلى عقولهم ودينهم لما جاء هذا الصوفي السني أكرمت وفادته وأنزلته المنزلة اللائقة به وحكومة مصر التي تؤيد الطرقية وبدعها وخرافاتها وتشويهها لما كان عليه الجنيد وأمثاله، وما كان عليه أئمة الهدى كلهم تعامل هذا الصوفي السني هذه المعاملة القاسية الخشنة الخالية من كل لطف ومراعاة وفي هذا الموقف من هاتين الحكومتين البرهان القاطع على أن الحكومة السعودية ما طاردت الطرق لأنها تصوف وإنها طاردتها لأنها مدعية بالباطل ومتصفة بضده. وأن الحكومة المصرية ما نصرت الطرق لأنها تصوف وإنما ناصرتها لأن غالب علمائها الذين يعيشون على رواتبها