للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا. ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا».

ونقل الأبي كلا عياض فقال: "وأخذت منه تلاوة القرآن على القبر لأنه إذا رجي التخفيف بتسبيح الشجر فالقرآن أولى" فنقول أن هذا من القياس في العبادات وهو مردود في مذهب مالك، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم- كانوا يحفظون القرآن فلو أن قراءة القرآن للتخفيف على الأموات مشروعة لكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- قرأ وأمرهم بالقراءة لكنه لم يقرأ ولم يأمرهم بالقراءة واقتصر على وضع فلقتي العسيب. ومعاذ الله أن يترك الأحرى إلى غير الأحرى كما يقتضيه التمسك بالقياس وأما أمر العسيب والتخفيف به ما دام رطبا فهو كما قال الإمام المازري: "فلعله أوحى إليه أن يخفف عنهما ما داما رطبين ولا وجه يظهر غيره" وكما قال الأبي: "والأظهر أنه من سر الغيب الذي اطلعه الله عليه" ولا يخفى أن كلام هذين الإمامين مما يرد ذلك القياس، لأن القياس حيث يكون ينبني على العلة المشتركة ومبنى ما هنا على سر غيبي خاص.

...

عرض فضيلته في القسم الثاني من كلامه إلى حكم تغيير بدعة القراءة في المواطن الثلاثة فقال: "أقصى حكمها في النهي أن تكون من قبيل المكروه والمكروه لا يغير على فاعله".

ونحق قد بينا بالاستدلال المتقدم أن بدعة التقرب بما لم يشرع التقرب به في موطن من المواط من لا تكون إلا حراما وأن كراهتها عند مالك كراهة التحريم فيجب تغييرها كما يجب تغيير المحرمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>