كل ما يريده فضيلته هو بقاء تلك الحالة المنكرة البشعة من تشييع الجنائز التي نشرنا فيما مضى بيان بعض الكتاب من إخواننا التونسيين عنها، وهو يعلم أن لا بقاء لها إلا ببقاء تلك الفئة من (المروقية) قائمة بها، وأنها لا تقوم بها إلا بثمن فليفت حينئذ فضيلته- ولا بد- بتحليل ذلك الثمن وجواز أخذ الأجرة على القراءة، فلذا قال في تذييله:"وأما أخذ الأجرة على قراءة القرآن فاعلم أن أخذ الأجر على القراءة جائز باتفاق الأئمة الأربعة".
باتفاق الأئمة الأربعة! هذا باطل ما دعا إليه وحمل عليه إلا الحرص على بقاء هذه البدعة والعياذ بالله، والحقيقة هي أن الحنفية والحنابلة- كما هو مصرح به في كتبهم- لا يجيزون أخذ الأجرة على القراءة وحجتهم على ذلك أن الأجر دفع لأجل حصول ثواب القراءة للدافع لكان القارىء ما قرأ إلا لأجل ذلك الأجر فلم يكن عمله خالصا لله فلم يكن له عليه ثواب، فهو آثم لأنه أكل الأجر بالباطل والدافع آثم لأنه متسبب له في عمل بلا إخلاص وفي ذلك الأكل بالباطل، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن شبل:"قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: اقرؤا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به". رواه أحمد بسند قال في مجمع الزوائد رجاله ثقاة، ورواه غيره، وأجابوا عن حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله". رواه البخاري بأنه محمول على أخذ الأجر في تعليمه أو الرقية به مما يحصل مقابل الأجر لدافعه جمعا بين الأدلة، وقال بهذا بعض المالكية أيضا، وهو قول قوي- كما ترى- نظرا وأثرا، فأين هو الإجماع الذي يدعيه فضيلته؟.
إلى هنا وجب أن ننتهي من الحديث مع فضيلته. وبقيت لنا كلمة