للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن النظرية الجزئية تكون دائماً عقبة في سبيل الإصلاح، وما يصدق على الأسباب يصدق على أنواع العلاج التي يمكن لنا أن نعالج بها أمراض الإنسان الحديث، فإذا قررنا أن سبب المرض عامل إقتصادي، أو روحي، أو نفسي، فإن العلاج ينحصر في تلك الناحية المعينة، وأما إذا نظرنا نظرة متكاملة، وقررنا أن للظواهر المرضية نواحي متعددة، وأسباباً متنوعة، فإن الإصلاح يتناول ميادين التوجيه الأخلاقي، والإقتصادي، والثقافي، والسياسي، والصناعي، أما الإنصراف إلى إصلاح حالة واحدة فإنه لا يؤدي إلى نتيجة، بل يؤدي إلى الهدم والتخريب، فالإصلاح الإقتصادي دون تكوين الضمير الديني والخلقي، يؤدي إلى كوارث، وقد ذهب إلى هذا الرأي الأستاذ "أريك فروم" في كتابه المجتمع السليم (١).

وأما فيما يتعلق بالمصلحين المسلمين المحدثين والمعاصرين، أمثال محمد بن عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده- ومحمد إقبال وابن باديس فإنهم رأوا أن التدهور الإجتماعي راجع إلى عدم تطبيق الإسلام، وإلى انفصال الإنسان المسلم عن الحقيقة القرآنية، ومعنى ذلك أن السبب ليس واحداً بل هو مجموعة عوامل وأسباب، لأن الحقيقة القرآنية، حقيقة متكاملة تشمل الحياة الأخلاقية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية أو ما يعبر عنه بالدين والدولة أو الدنيا، وليس الإسلام كالمسيحية التي اهتمت اهتماماً بالغاً بالإصلاح الروحي، وأهملت النظام الإجتماعي، وهو ما أراد بعض الناس أن يطبقه على الإسلام أيضاً.

والشيخ ابن باديس من المدرسة التي ترى أن الإصلاح الاجتماعي يقوم على أساس أن الأخلاق تنبع من الداخل، وأن الوسيلة هي تطهير


(١) ترجمة محمود محمود القاهرة ١٩٦٠ ص ١٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>