فاصطحبنا، فَقَدِمنا المدينة، فَبايَعتُهُ، وأقَمتُ مَعَهُ حتى خرجتُ معه في غزوة الفتح، فلما دخل مكة، قال:"يا عثمان ائتِ بالمفتاح"، فَأَتيتُهُ به، فَأخَذَهُ مِنِّي، ثمَّ دَفَعَهُ إليَّ فقال: خُذُوها يا بني أبي طلحة خالدةً تالِدَةً، لا ينزعُها منكم إلا ظالم".
وقال ابن عباس: لما طلب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المفتاح من عثمان، فَهَمَّ أن يناولَهُ إيَّاهُ، قال العباس: بِأبي أنت وأمي، اجمعه لي مع السقاية، فَكَفَّ عثمان يدهُ مَخافَةَ أن يعطيه العباس، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هاتِ المفتاح"، فَأعاد العباس قوله، وكفَّ عثمان، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرِنِي المفتاح إن كُنتَ تؤمن بالله واليوم الآخر" فقال: هاكه يا رسولَ الله بأمانَةِ الله، فَأخَذَ المفتاح، وَفَتَح البيت، فَنَزَل جبريل بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨](١) ثم لم يزل عثمان يَلِي فتح البيت، إلى أن توفي، فوضع ذلك إلى شيبة بن أبي طلحة، وهو ابن عمه، فبقيت الحجابة في ولد شيبة حتى اليوم، وهو سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
ذكر أماكن صلى فيها بمكة رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أو دَخلَها وموضع ولادته البيت الذي ولد فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
وقد تقدم ذكره، وكان عقيل بن أبي طالب قد أخذه حين هاجر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يزل بيده ويدِ ولدِهِ حتى باعوه من محمد بن يوسف أخي الحجاج، فَأدخَلَهُ في داره التي يقال لها: البيضاء، فلم يزل ذلك البيت في الدار حتى حجَّتِ الخيزُران جارية المهديِّ، فجعَلَتهُ مسجدًا يصلَّى فيه، وأَخرَجتهُ من الدار، فهو في الزُّقاق الذي يقال له: زُقاق المولِد.
(١) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ونسبه لابن مردويه من طريق الكلبي.