للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أَنْتِ؟ فقالت: أنا الجَسَّاسَةُ؟ قالوا: وما الجسَّاسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدَّيْر، فإنه إلى خَبَرِكم بالأشواق، قال: لما سَمَّتْ لنا رجلًا فَرقنْا مِنْها أَن تكون شَيْطَانَةً، قال: فانطلقنا سِرَاعًا حتى دخَلنا الدَّيْرَ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قَطُّ خَلْقًا، وأشده وثاقًا، مَجْموعَةٌ يَداهُ إلى عُنُقِه ما بين رُكْبَتَيْه إلى كَعْبَيْهِ بالحديد، قلنا: وَيْلَكَ، من أنْتَ؟ قال: قد قَدَرْتُم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أُناسٌ من العرب ركبنا في سَفِينَةٍ بَحْريَّة، فَصَادَفْنَا البحر حين اغْتَلَمَ، فلعب بنا المَوْجُ شهرًا، ثم أَرْفَأْنا إلى جَزِيرَتِكَ هذه، فجلسنا (١) في أَقْرُبها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دَابَّة أهلبُ كثيرُ الشَّعر، لا يُدْرى ما قُبُلُه من دُبُره من كثرة الشعر، فقلنا: وَيْلَكِ ما أَنْتِ؟ فقالت: أَنا الجَسَّاسَةُ، قلنا: وما الجَسَّاسَةُ؟ فقالت: اعْمِدوا إِلى هذا الرجل الذي في الدَّيْرِ، فهو إلى خبركم بالأشْواقِ، فأقبلنا إليك سِراعًا وفَزعْنا منها، ولم نأمن أن تكون شَيْطَانَةً، فقال: أخبروني عن نَخْل بَيْسَانَ، قلنا: عن أي شَأْنِها تَسْتَخْبِر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم قال: أما إنَّه يُوشِكُ أن لا تُثمر، قال: أخبروني عن بُحَيْرَةِ الطَّبَريَّة، قلنا: عن أي شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها مَاءٌ؟ قالوا: هي كثيرةُ الماءِ، قال: أما إنَّ ماءَها يوشِكُ أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغَرَ قالوا: عن أي شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ، وهل يَزْرَعُ أهلُها بماءِ الْعَيْن؟ قلنا له: نعم هي كثيرةُ الماءِ، وأهلها يزرعون من مائِها، قال: أخبروني عن نَبيِّ الأُمِّيينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قد خَرَجَ من مكَة، ونزل يَثْرِبَ، قال: أقاتَلَتْهُ الْعَرَبُ؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنعَ بهم، فأخبرناهُ أَنَّه قد ظهر على من يَلِيهِ من العَرَب وأطاعوه، قال لهم: وقد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إِنَّ ذلِكَ خيرٌ لهم أن يُطِيعُوهُ، وإنِّي مُخْبرُكم عَنِّي، أنا المسيحُ، وإنِّي أُوْشِكُ أن يُؤْذَنَ لي في الخُروجِ، فَأَخْرُجَ، فأَسِيرَ في الأرض، فلا أَدَع قَرْيَةً إِلَّا هبطتُها في أربعين


(١) في الأصل: فركبنا، وما أثبتناه من صحيح مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>