وقوله:"كان دخوله لنفسه مأذونًا له فيه"، إما من الاستئذان المشروع إذا أراد الرجل أن يدخل، وإما من أذن الله تعالى له في دخوله، وأنه كان لا يدخل إلا بإذن من الله تعالى.
وقوله:"جزأ دخوله ثلاثة أجزاء"، أي جزأ الزمان الذي يكون فيه في بيت نفسه ثلاثة أجزاء، والجزء: النصيب والقطعة من الشيء، وجزأت الشيء: قسمته، وهذه الأجزاء الثلاثة أربعة في الحقيقة، لأن الجزء الذي لنفسه مقسوم بينه وبين الناس، وذلك لأن الناس متقاربون في الفهم، فلم يكن مجلسه العام يحتمل إلا الكلام الجلي، وأما الأمور الكلية، وقواعد الشريعة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يخص له الخاصة أهل الفهم خلوة في جزء نفسه، ثم الخاصة بعد وهمها لها وإحكامها يرجع بها على العامة بطريق التعليم والتفهم، لا بطريق الإلقاء دفعة واحدة، فيفهم منها القاصر الفهم خلاف المعنى المقصود، ويؤدي ذلك إلى خبط عظيم.
وقوله:"فمنهم ذو الحاجة"، أي: ذو المسألة والمسألتين من المسائل الدينية.
وقوله:"يدخلون روَّادًا ويخرجون أدلة على الخير"، أي: يدخلون عليه طالبين للعلم، وملتمسين الحكم من عنده، ويخرجون أدلة هداة للناس، والرواد: جمع رائد، مثل: زائر وزوار، وأصله: الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث، وقد راد يرود ريادًا.
وقوله:"ولا يتفرَّقون إلا عن ذوّاق" ضرب الذَّواقَ مثلًا لما ينالون عنده من الخير، أي: لا يتفرقون إلا عن علم وأدب يتعلَّمونه، يقوم لأنفسهم وأرواحهم مقام الطعام والشراب لأجسادهم.