للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه لو فرض أن الإرسال الخفي لا يسمى تدليسًا، لكان وصف الشخص بالتدليس يدل على أنه لا يتنزه عن الإرسال الخفي؛ لأنهما متقاربان متشابهان.

(٢) بقي لنا اعتراض واحد، إن تفصيتم عنه [يعني تخلصتم منه] فقد فلجتم [بالجيم يعني فزتم وظفرتم]، وهو أن الثقة قد يرسل عمن عاصره غير قاصد إيهامًا، بل اتكالًا على معرفة السامع بعدم اللقاء، كما حملتم عليه قول أبي حاتم في أبي قلابة الجرمي، فيكون هذا إرسال خفي.

وفي الحقيقة لا يمتنع اتصاف الثقة به. ولا يلزم الأئمة نقله وإن صار فيما بعد خفيا.

(١) هذا أشفُّ ما أوردتموه وعلى ذلك فجوابه من وجهين: إلزامي، وتحقيقي.

أما الإلزامي؛ فلأنه يلزمكم مثله في التدليس، بأن يقال: إن الثقة قد يرسل عمن لقيه وسمع منه غير قاصد إيهامًا بل اتكالًا على معرفة السامع بأنه وإن لقيه لم يسمع منه، أو سمع منه ولكن هذا المعنعن ليس مما سمعه، وهذا لا يسمى تدليسًا، إذ لا إيهام فيه، فلا يمتنع اتصاف الثقة به، ولا يلزم الأئمة نقلُه وإن صار فيما بعد تدليسًا، فإذا اعتبرتم الاحتمال هناك، لزمكم اعتباره هنا، فيردون كل معنعن، كما قاله مسلم رحمه الله.

وأما التحقيقي فنقول: إن السامع من المعنعِن إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين أن شيخه لم يلق الذي روى عنه، فإن فرض أن هذا السامع حدث من يعلم بعدم لقاء المعنعن لشيخه، فهذا المحدَّث إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين وهكذا.

فتلخص من هذا أنه إذا ثبت عن أحد رجال السند بيان أن المعنعِن لم يلق المعنعَن عنه، فالأمر واضح، وإن لم يجيء البيان عن أحد منهم، ولا عن غيرهم، وجب حمل تلك العنعنة على السماع، وإلا لزم أن يكون في الرجال مدلس، والمفروض سلامتهم من التدليس، وهذا هو جوابكم عما ألزمناكم، فصح، وثبت أن العنعنة من المعاصر غير المدلس إذا رويت بسند رجاله ثقات غير مدلسين، فهي محمولة على السماع، إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>