للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ييأسُوا من رحمتِه، ووعدٌ أكيدٌ منه سبحانه بأنَّه يغفرُ الذُّنوبَ جميعًا، صغيرَها وكبيرَها، وما كانَ شركًا أصغرَه وأكبرَه لمَن تابَ منها، فهي عامَّةٌ في كلِّ ذنبٍ لمَن تابَ منه، كما قالَ تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (١).

س: أريد شرحًا وافيًا لهذا الحديث حتى نفهمه الفهم الصحيح: «لَوْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»؟

ج: الحديثُ عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَوْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» رواهُ الإمامُ أحمدُ، والتّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه، وابنُ حِبَّانَ، والحاكم، وقال التِّرمذيُّ: «حسنٌ صحيحٌ»، حقيقةُ التَّوَكُّلِ هو صدقُ اعتمادِ القلبِ على اللهِ -عز وجل- في استجلابِ المصالحِ، ودفعِ المضارِّ من أمورِ الدُّنيا والآخرة. ومعنى الحديثِ: أنَّ النَّاسَ لو حقَّقوا التَّوكُّلَ على اللهِ بقلوبِهم واعتمدوا عليهِ اعتمادًا كُلِّيًّا في جلبِ ما ينفعُهُم، ودفعِ ما يضرُّهم، وأخذوا بالأسبابِ المفيدةِ لساقَ إليهم أرزاقَهُمْ مع أدنى سببٍ؛ كما يسوقُ إلى الطَّيرِ أرزاقَها بمجردِ الغدوِّ والرَّواح، وهو نوعٌ من الطَّلبِ، ولكنَّهُ سعيٌ يسيرٌ، وتحقيقُ التَّوكُّلِ لا يُنافي السَّعيَ في الأسبابِ التي قدَّرَ اللهُ -سبحانه وتعالى- المقدَّراتِ بها، وجرتْ سنَنُهُ في خلقِهِ بذلك؛ فإنَّ اللهَ تعالى أمرَ بتعاطي الأسبابِ مع أمرِه


(١) «فتاوى اللجنة الدائمة» (١/ ٣٧٠).

<<  <   >  >>