للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

س: هل يحاسب الإنسان بما يدور في نفسه؟

ج: اللهُ لطيفٌ بعبادِهِ، رحيمٌ بهم، ومن رحمتِهِ أنَّه لم يُكلِّفْهُم ما لا يُطيقون، فلا يُؤاخِذُ الإنسانَ بخواطرِ نفسِهِ ووساوِسِها؛ لما ثبتَ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ»، وفي «المسندِ» قالَ الإمامُ أحمدُ: حدَّثنا عفَّان، حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ إبراهيم، حدَّثني العلاءُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: لما نزلتْ على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اشتدَّ ذلك على أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فأتوا رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثم جثوا على الرُّكَب، وقالوا: يا رسولَ الله، كُلِّفْنَا من الأعمالِ ما نطيقُ الصَّلاة والصِّيامُ والجهادُ والصَّدقة، وقد أُنْزِلَتْ عليك هذه الآيةُ ولا نُطيقها. فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، فلمَّا أقرَّ بها القومُ، وذلَّتْ بها ألسنتُهم؛ أنزلَ اللهُ في إثْرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، فلمَّا فعلوا ذلك؛ نسخَها اللهُ، فأنزل اللهُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (١).


(١) «فتاوى اللجنة الدائمة» (٢٨/ ٤٨٤).

<<  <   >  >>