وقد أُنشئت فى أواخر القرن الخامس الهجرى سنة (٤٩٠هـ = ١٠٩٧م)
فى عهد الأمير «يوسف ابن تاشُفين» على نهر «النيجر» الأعلى،
وبلغت مكانةً لا تقل عن مكانة «القيروان» أو «فاس» أو «القاهرة»
أو «قرطبة» فى مجال الثقافة العربية الإسلامية، التقى فيها العلماء
والفقهاء من جميع الأجناس والألوان من بلاد «المغرب» و «الأندلس»
و «مصر» و «الحجاز» وبلاد «السودان».
وكانت «تمبكت» مركزًا مهما من مراكز الثقافة العربية فى إفريقيا،
تخرَّج فى جامعتها - التى يمثلها «جامع سنكرى» الشهير - علماء
ومؤرخون كان لهم فضلٌ كبيرٌ فى نشر الإسلام والثقافة العربية،
وكان الطلاب يَفِدون إلى هذه المدينة بعد حفظ أجزاء من القرآن فى
مدارسهم المحلية، ثم يُكْمِلون تعليمهم معتمدين على الأوقاف التى
كانت محبوسة عليهم وعلى «جامع سنكرى».
وكان علماء «تمبكت» يُقبِلون فى شغف على إنشاء مكتباتهم
الخاصة، وبعضهم زادت مكتبتهُ على ألفى كتاب، كما اقتنى بعض
السلاطين مثل هذه المكتبات، واتصل علماء «تمبكت» بإخوانهم فى
الأمصار الإسلامية الأخرى، فى «القاهرة» و «فاس» و «القيروان»؛ مما
أعطى الحركة الفكرية فى «تمبكت» صفة العالمية.
وخلاصة القول أن هذه المدينة كانت مدينة إسلامية منذ نشأتها،
فهى كما قال «السعدى»: ما دنَّستها عبادةُ الأوثان، ولا سُجِدَ على
أديمها لغير الرحمن، مأوى العلماء والعابدين، ومألف الأولياء
والزاهدين، ولذلك ارتبط تاريخ الثقافة العربية الإسلامية فى غربى
إفريقيا بتاريخ هذه المدينة نفسها.
٢ - مدينة جنِّى:
أُسِّسَت هذه المدينة على «نهر النيجر» الأعلى فى منتصف القرن
الثانى من الهجرة (حوالى سنة ٨٠٠م) وأسلم أميرُها «كنبرو» فى
نهاية القرن الحادى عشر الميلادى فى عهد المرابطين، وحذت حذوه
الرعية، وبنى أميرها مسجدها العتيق على نظام المسجد الحرام فى
«مكة المكرمة»، وكان الإسلام والثقافة الإسلامية قد تدفقا إلى هذه