المؤمنين، وأول من اتخذ حادث الهجرة مبدأ التاريخ للدولة الإسلامية،
بعد أن استشار فى ذلك كبار الصحابة، وهو أول من اتخذ بيت
المال، وهو يشبه خزانة الدولة، وأول من مصَّر الأمصار، أى بنى مدنًا
جديدة كالبصرة و «الكوفة» فى «العراق»، و «الفسطاط» - حى مصر
القديمة حاليا - فى «مصر»، وأول من وسَّع مسجد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، وأدخل فيه دار «العباس بن عبد المطلب»، وفرشه
بالحصباء، أى الحجارة الصغيرة، وكانوا قبل ذلك يصلون على
التراب.
وهو أول من دوَّن الدواوين، وهى تشبه الوزارات فى الوقت الحاضر،
وقد اقتبس هذا النظام من الفرس والروم، فأنشأ «ديوان العطاء»،
وكان مختصًا بالعطاء الذى فرضه «عمر» للمسلمين، وأنشأ «ديوان
الجند» - وزارة الدفاع حاليًا - و «ديوان الخراج» - وزارة المالية -
و «نظام البريد» الذى كان يُستخدم فى أمور الدولة.
ومن أعظم اجتهاداته إبقاؤه الأرض المفتوحة فى أيدى أهلها
يزرعونها، ويدفعون خراجًا -إيجارًا - للدولة، تنفق منه على الجيش
والمرافق العامة، كما أمر بإعادة مسح الأرض - أى قياسها
واختبارها - ووضع الخراج المناسب عليها. حسب جودة الأرض.
وهو أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فوضع على الأغنياء ثمانية
وأربعين درهما للفرد الواحد فى السنة، وعلى متوسطى الحال أربعة
وعشرين درهمًا، وعلى الفقراء القادرين على الكسب اثنى عشر
درهمًا، وأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال ورجال الدين
والعاجزين عن الكسب، وقد سبق القول إنه فرض للعاجزين عن
الكسب من أهل الذمة عطاءً من بيت المال.
وكما ترك «عمر بن الخطاب» الأرض لأهلها يزرعونها؛ ترك معظم
الدواوين - وبخاصة «ديوان الخراج» - فى أيدى أبناء البلاد المفتوحة
يزاولونها بلغاتها؛ لأنها كما يقول العقاد: «ليست من أسرار الدولة،
وليس من الميسور أن ينصرف إليها فتيان العرب عما هو أولى بهم،
وهو فرائض الدفاع والجهاد».