العرب الذين هاجروا إلى «السودان» كان معظمهم من الفارين من
الدول الإسلامية بسبب التقلبات السياسية، وكان هؤلاء قد كرهوا
الحياة السياسية، مما ولَّد فى نفوسهم ونفوس السودانيين رغبة
شديدة فى الحياة، بعيدًا عن مزالق السياسة فلبوا دعوة شيوخ
الصوفية فى ترحاب وحماس شديدين، وانتظموا فى الخلايا والزوايا،
وكان لذلك أثر كبير فى التقريب والربط بين القبائل والأجناس فى
بلاد «السودان».
أما الطرق الصوفية التى انتشرت فى «السودان» فى عصر «الفونج»
فهما طريقتان: الأولى هى «القادرية»، وكان أتباعها أكثر عددًا من
أى جماعة أخرى، وقد دخلت هذه الطريقة «السودان» على يد «تاج
الدين البهارى»، الذى وصل إلى «السودان» عام (٩٥٢هـ = ١٥٤٥م)،
ووفد عليه بعض الأمراء والمشايخ واتبعوا هذه الطريقة وظلت ذريتهم
تباشرها حتى اليوم.
والطريقة الثانية هى الطريقة «الشاذلية»، المنسوبة إلى «أبى
الحسن الشاذلى» (٥٩٢ - ٦٥٦هـ= ١١٩٦ - ١٢٥٨م) الذى وُلد فى
«شاذلة» بتونس، ويقال إن إحدى حفيداته تزوجت من الشريف «حمد
أبو دنانة» الذى نزح إلى «السودان» عام (٨٤٩هـ = ١٤٤٥م) قبل
عصر «الفونج» ونشر تلك الطريقة بين الناس.
أما العامل الثانى الذى أثر فى الثقافة العربية فى «السودان» فى
عصر «الفونج»، فهو موقع «السودان» واتصاله الطبيعى بأمم
إسلامية مجاورة، ومانتج عن ذلك من تبادل تجارى وثقافى؛ إذ
اتصل أهل «السودان» بمصر، ووفد عليها علماؤه وطلابه؛ مما يؤكد
أن «مصر» هى التى غرست البذور الأولى للثقافة العربية الإسلامية
فى بلاد «السودان»، وهناك عامل لايقل شأنًا عما مضى إن لم يفقها
جميعًا، وهو أثر القبائل العربية المهاجرة إلى «السودان النيلى»،
وهى قبائل كثيرة يمكن أن نحصرها فى ثلاث مجموعات قبلية
كبرى: أولها «مجموعة الجعليين» وهى عدنانية الأصل ومن أكثر
المجموعات العربية نفوذًا وعددًا، وتركزت هذه المجموعة على