وفى بداية القرن (١٦م) ظهرت تطورات كان لها تأثيرها فى مسرح
الأحداث بين المسلمين والأحباش، تمثلت فى ظهور الأتراك العثمانيين
وقيام حركة الكشوف الجغرافية بزعامة الملاحين البرتغاليين، كذلك
أدخلت الأسلحة النارية إلى منطقة الأحداث فى بلاد «الزيلع»
و «الحبشة»، وأهم من هذا كله إسلام قبائل البدو من الأعفار
والصومالى، ودخولها ميدان الجهاد، ووقوفها وراء الإمام الذى
رشحته الأحداث لتزعم حركة الجهاد الإسلامى فى ذلك الدور، وهو
الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى الأشول.
اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد الأمور فى
سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة موفقة جمعت
الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه وخاصة فى
توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى مصارفها
الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء والعلماء، كما كسب
أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر
الكبير، ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا
تأخذه فى الله لومة لائم، كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد
وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه.
بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع الإمام «أحمد القرين» أن
يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم وعزم على رد عادية الأحباش،
وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها، وتمكن من التوغل فيها حتى وصل
إلى أقاليمها الشمالية، ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان
أولها فى عام (٩٣٣هـ = ١٥٢٧م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ
بداية الجهاد. وفى عام (٩٣٤هـ = ١٥٢٨م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا
حاسمًا على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد
الحبشة نهائيا.
ففى سنة (٩٣٨هـ = ١٥٣١م) دخل «دوارو» و «شوا» و «أمهرة»
و «لاستا». وفى سنة (٩٤٠هـ = ١٥٣٥م) سيطر المسلمون على جنوب
الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى» للمرة الأولى وأصبح مصير