«المدينة»، فوجد «أبا لؤلؤة» و «الهرمزان» و «جفينة» يتناجون -
يتحدثون سرا - فلما طلع عليهم فجأة، قام «أبو لؤلؤة» مرتبكًا،
فسقط منه الخنجر نفسه الذى طعن به «عمر».
ومما يؤكد أن قتل «عمر بن الخطاب» كان مؤامرة انتحار «أبى
لؤلؤة» نفسه، فليس هناك رجل يقدم على عمل كهذا من أجل بضعة
دراهم، حتى لو رأى أن «عمر» لم ينصفه، فقد كان بإمكانه أن
يعاود الشكوى ويأخذ حقه، ولكن العبد المجوسى مُلئ حقدًا، وأوعز
عليه فأقدم على جريمته إقدام من يؤمن بأنه يقوم بعمل بطولى
يستحق أن يدفع من أجله حياته.
وهناك أمر آخر يؤكد المؤامرة، وأنها نُسجت خيوطها فى بلاد فارس
نفسها، وهو ثورة معظم بلاد فارس على المسلمين، ونقض معاهدات
الصلح، التى وقعها معهم الفاتحون المسلمون، فور سماعهم خبر
مقتل «عمر»، وكأنهم كانوا ينتظرون ذلك بصبر نافد؛ لأنهم ظنوا أن
وفاة «عمر» هى فرصتهم لإعادة الأمور إلى ماكانت عليه قبل
الفتوحات.
تفكير عمر فى أمر الخلافة ووفاته:
أيقن «عمر بن الخطاب» بعد طعنه أنه لم يبق من عمره سوى
ساعات، وكذلك أيقن المسلمون، ولذا ألحوا عليه أن يختار لهم من
يخلفه فيهم، فرشَّح لهم ستة من الصحابة، هم بقية العشرة المبشرين
بالجنة، يختارون من بينهم واحدًا للخلافة، ومع أن ابن عمه «سعيد بن
زيد بن عمرو بن نُفيل» واحد من العشرة المبشرين بالجنة، فقد
استبعده من الترشيح، خوفًا أن يقع عليه الاختيار لقرابته منه، كما
استبعد ابنه «عبد الله» من الترشيح تمامًا، بل رد على من اقترح عليه
ترشيحه ردا قاسيًا، إبعادًا لشبهة الوراثة عن نظام الحكم الإسلامى،
وجعل الأمر فى يد الأمة تختار الأصلح ليتولى أمرها.
قال «عمر» لهم: «عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: إنهم من أهل الجنة، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
منهم، ولست مدخله فيهم، ولكن الستة، هم: على بن أبى طالب،
وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص،