وقد عمل كثير منهم فى بيت المال؛ لخبرتهم فى الشئون المالية، فقد
كان فى بيت مال البصرة منهم فى عهد (على بن أبى طالب) أربعون
رجلا، كما عمل بعضهم فى الأعمال الحرَّة، وبخاصة فى الصرافة،
فيروى الجاحظ: (إنك لا ترى فى البصرة صيرفيًا إلا وصاحب كيسه -
أى خزانته - سندى).
وكل هذه الشواهد تؤكد اتصال أهل (السند) بالمسلمين قبل فتح
بلادهم، ومن الطبيعى أن يتردد بعضهم على وطنه، وينقل للناس
هناك أخبار الإسلام والمسلمين، ومعاملتهم الرحيمة ممَّا هيأ قلوبهم
للإسلام، والإقبال عليه بعد الفتح الإسلامى لبلادهم.
فمنذ الخطوات الأولى للفتح بدأت شخصيات كبيرة تعتنق الإسلام،
وعندما تقدَّم (محمد بن القاسم) بعد فتح (الديبل)، وجه الدعوة إلى
الأمراء والحكام والوزراء والأعيان وعامة الشعب؛ للدخول فى الإسلام
فاستجاب له كثيرون.
وكانت هناك أقاليم تدخل فى الإسلام جملة واحدة، مثل إقليم
(سوسيان)، فقد روى فى سبب إسلامهم أنهم كانوا قد أرسلوا
جاسوسًا من عندهم إلى معسكر المسلمين لمعرفة أخبارهم، وأثناء
اختفائه حان وقت الصلاة، فقام أحد الجنود وأذَّن بالصلاة بصوت
خاشع جميل مؤثر، ثم اصطف الجنود خلف قائدهم (محمد بن القاسم)
فى صفوف منتظمة، فلما رأى الجاسوس السندى هذا المشهد الرائع
تأثر به تأثرًا كبيرًا، وعاد إلى قومه، وأخبرهم بما رأى، فقالوا: إذا
كان العرب متحدين متمسكين بدينهم على هذا النحو وهم فى وقت
الحرب، فإننا لايمكننا التغلب عليهم، وقرروا إرسال وفد منهم إلى
(محمد بن القاسم)، وانتهى الأمر بإسلامهم جميعًا، وانضمامهم إلى
المسلمين، وأقاموا حفل تكريم للقائد المسلم (محمد بن القاسم) الذى
هداهم للإسلام.
وكان إقبال أهل (السند) على الإسلام عظيمًا على اختلاف طبقاتهم،
فأسلم إلى جانب عامة الشعب الحكامُ والقوَّاد والوزراء وأمراء
المناطق المختلفة، مثل الأمير (كاكة بن جندر) ابن عم الملك (داهر) ملك
(السند).