فنقلوها من طور البداوة إلى طور الحضارة، ومن عهد الطفولة إلى
عهد الشباب الغض، فأمنت بعد خوف، واستقرت بعد اضطراب،
وأخذت الأرض زخرفها، وبلغت المدنية أوجها، وتحولت الصحارى
الموحشة والأراضى القاحلة إلى مدن زاخرة وأرض خصبة، وتحولت
الغابات إلى حدائق ذات بهجة، والأشجار البرية إلى أشجار مثمرة
مدنية، ونشأت علوم لا علم للأولين بها، وفنون وأساليب فى
الحضارة لا عهد لهم بها فى الماضى، وانتشرت التجارة، فكأنما
ولدت هذه البلاد فى العهد الإسلامى ميلادًا جديدًا، ولبست ثوبًا
قشيبًا).
الجانب الحضارى:
الحضارة الإسلامية فى العصر الأموى:
تعنى الحضارة عند بعض الباحثين كل نشاط إنسانى فى الحياة،
سواء أكان فكريا يتمثل فى العلوم والفنون والآداب، وما ينتج عن
ذلك من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، ومن عادات
وتقاليد وأخلاق، أم كان ماديا ملموسًا، يتمثل فى البناء والتشييد
والعمران، كبناء المدن والقرى وتخطيطهما، والتأنق فى بناء
المساكن والمساجد، ودور التعليم والقلاع والحصون، كما تتمثل فى
العناية بالأوضاع الاقتصادية للبلاد، كبناء السدود والخزانات لتخزين
المياه واستخدامها فى الزراعة والصناعة، أو فى تعبيد الطرق
وإقامة المصانع.
وقد عرفت الحضارة الإسلامية فى العصر الأموى كل هذه الأنشطة،
وهى وإن اشتركت مع غيرها من الحضارة الإنسانية فى بعض
السمات، فإنها تتميز عنها بسمات خاصة بها؛ لأن الإسلام هو الذى
أنشأها ورعاها وتمثلت فيها قيمه ومبادئه وسماحته ورحمته وآدابه.
وهى كغيرها من الحضارات البشرية أخذت وأعطت وتعلَّمت من
غيرها، وعلَّمت غيرها، وانفتحت على الحضارات كلها بما فيها من
ثقافات وأفكار، شعارها: الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو
أحق الناس بها.
ولقد قامت الحضارة الإسلامية على دعامتين أساسيتين:
الدعامة الأولى:
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكان تأثيرهما فى نشوء