للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، .. وعرفوا أن الله قد ضمن

لهم النصر ووعدهم الفتح، فوثقوا بنصر الله ووعد رسوله،

واستهانوا بالقلة والكثرة، واستخفوا بالمخاوف والأخطار. وفى

ذلك قال المؤرخون: «لما أقبل خالد بن الوليد من العراق، ليتولى

قيادة الجيوش فى الشام لحرب الروم، قال رجل من نصارى

العرب أمامه: ما أكثر الروم وأقل المسلمين، فنهره خالد، وقال

له: ويحك بل قل: ما أكثر المسلمين وأقل الروم إن الجيوش تكثر

بالنصر وتقل بالهزيمة لا بعدد الرجال». وهذه الحقيقة عرفها

أعداؤهم حتى إن هرقل لما انتهى إليه خبر زحف المسلمين

وانتصاراتهم، قال وكان عندئذٍ موجودًا فى حمص: «ويحكم إن

هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قبل لأحد بهم، فأطيعونى

وصالحوهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن

أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم».

لقد ترتب على الفتوحات الإسلامية نتائج وآثار بعيدة المدى فى

تاريخ العالم، وإذا ما قورنت بغيرها - مثل فتوحات «الإسكندر»

قبلها، وفتوحات المغول بعدها - فإن تلك المقارنة تظهر عظمة

المسلمين، وأن فتوحاتهم كانت أكثر الفتوحات فى العالم خيرًا

وبركة، ففتوحات «الإسكندر» وامبراطوريته التى شادها فى

الشرق انهارت وتمزقت أوصالها بعد وفاته مباشرة، وأصبحت

ذكرى من ذكريات التاريخ، أما غزوات المغول التى لم يعرف لها

تاريخ العالم مثيلا من قبل فى همجيتها ووحشيتها، فقد دمرت

معظم العالم الإسلامى فى الشرق بما كان فيه من حضارة

مزدهرة، ولم يوقف زحفها المدمر سوى الجيش المصرى فى

معركة «عين جالوت» سنة (٦٥٨هـ). وهذه الغزوات المغولية

البربرية كان يمكن أن ينساها التاريخ أو يذكرها باعتبارها

عملا بربريا ألم بالإنسانية فى مسيرتها الطويلة، لولا أن الله -

تعالى - أدرك برحمته الواسعة هذه الجموع الوحشية وهداها

إلى دينه، فأسلم أغلب المغول، وأظلهم الإسلام بحضارته،

<<  <  ج: ص:  >  >>