للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحولهم من قوة مدمرة إلى طاقة خيرة، ومن أعداء مهاجمين

إلى أتباع مدافعين، بل مشاركين فى صنع الحضارة الإسلامية.

تجلت عبقرية «عمر بن الخطاب» أعظم ما تجلت فى ميادين

الإدارة، فقد ضبط نظم الدولة الإسلامية، وكانت مترامية الأطراف،

وأحكم إدارتها بمقدرة فائقة تثير الدهشة والإعجاب، فى وقت

كانت فيه وسائل الاتصال بطيئة تمامًا. ويصعب على أى باحث

أن يحيط بالجوانب الإدارية عند «عمر بن الخطاب»، ولذا

سنتعرض لبعض منها: أولا: عمر واختيار الولاة: استعان «عمر بن

الخطاب» برجال يديرون شئون الولايات البعيدة عنه، أما القريبة

منه فكان يديرها بنفسه، وكان يقول: «ما يحضرنى من أموركم

لا ينظر فيه أحد غيرى، أما ما بعد عنى فسوف أجتهد فى

توليته أهل الدين والصلاح والتقوى، ثم لا أكتفى بذلك، بل لابد

من متابعتهم؛ لأعرف هل يقومون بالعدل بين الناس أم لا؟».

وكان لعمر بن الخطاب طريقة فى اختيار ولاته، فلم يكن يستعمل

أحدًا من أهل بيته، وقلما استعمل كبار الصحابة على الأمصار،

بل استبقاهم معه فى «المدينة» ليعينوه فى شئون الدولة،

ويقدموا له المشورة، ومن أهم شروط «عمر» فى الوالى: - القوة

والأمانة: والمقصود بالقوة قوة الدين، وقوة الإرادة والحزم فى

الأمور، ومن أقواله المأثورة: «إنى لأتحرج أن أستعمل الرجل

وأنا أجد أقوى منه»، ولذا فقد عزل «شرحبيل بن حسنة» عن

«الأردن»، و «عمير بن سعد» عن «حمص»، وضم ولايتهما إلى

«معاوية بن أبى سفيان»، وكان المعزولان أسبق إسلامًا من

«معاوية» وأفضل، فلما كلمه الناس فى ذلك قال إنه لم يعزلهما

عن سخط أو خيانة، ولكنه كان يريد رجلا أقوى من الرجل. -

الهيبة مع التواضع: أدرك «عمر بن الخطاب» حاجة ولى الأمر إلى

الهيبة واحترام الناس، حتى يستطيع أن يقودهم، ولكن لا ينبغى

لها أن تتجاوز الحد لتصبح تسلطًا وتعاليًا، وكان يقول: «أريد

رجلا - أى واليًا - إذا كان فى القوم وليس أميرهم، كان كأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>