للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمحاكمة «خالد» ومقاسمته ماله، فامتثل «خالد» لهذا العزل كما

امتثل من قبل للعزل الأول عن القيادة العامة. ولم يكن «عمر»

يقصد بهذا التصرف الإساءة إلى «خالد» قط، وإنما كان يريد أن

يعلم الجميع أن الإسلام فوقهم، وليس هناك استثناء لمخالف،

ولو كان قائدًا عظيمًا فى مكانة «خالد». سابعًا: القدوة الحسنة:

أدرك «عمر» أثر القدوة فى سياسة الناس، وأن عليه أن يعلم

الناس بأعماله قبل أن يعلمهم بأقواله. وكثيرًا ما كان يردد للناس

قوله: «سأسوكم بالأعمال وليس بالأقوال»، وأن الرعية مؤدية

إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا. وكان

«عمر» قدوة فى حياته الخاصة، يعيش كما يعيش عامة الناس

دون تميز، وحين فرضوا له عطاءً (راتبًا) من بيت مال المسلمين،

ليعول منه أسرته قدروا له راتبًا يمكنه من معيشة رجل من أوسط

الناس، لا أغناهم ولا أفقرهم. وفوق ذلك هو يشارك المسلمين

ويواسيهم إذا أصابهم ضر، كما حدث فى عام «الرمادة»

المشهور سنة (١٨هـ) الذى أصاب الناس فيه مجاعة شديدة فى

شبه الجزيرة العربية لقلة الأمطار، فكان يجلب إليهم الأقوات من

الأمصار، ويأكل مما يأكله الناس، حتى ساءت صحته، فنصحه

بعض أصحابه بأن يحسِّن من طعامه، ليقوى على العمل وإنجاز

مصالح المسلمين، لكنه أجاب بقوله: «كيف يعنينى شأن الرعية

إذا لم يصبنى ما أصابهم؟». ولا شك أن ما عبر عنه الخليفة

«عمر» هو مفتاح الحكم الصالح فى كل عصر وزمان فيوم يحس

الحاكم بإحساس شعبه فسوف يستقيم الحكم، وينصلح حال

الرعية، ويوم ينفصل الحاكم عن شعبه، وتكون له حياته الخاصة،

فحينئذٍ ينفتح باب الفساد. وقد حرص «عمر» على أن يجعل من

أبنائه وأهله قدوة كذلك، فأخذهم بما أخذ به نفسه، لأنه الناس

ينظرون إليهم، وكان يقول لهم إذا عزم على أمر يهم المسلمين:

«لقد عزمت على كذا وكذا، أو نهيت الناس عن كذا وكذا،

وأقسم بالله لو خالفنى أحد منكم لأضاعفن له العقوبة». بهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>