الإجراءات حصن «عمر» نفسه وأولاده وكل من يلوذون به ضد
أية انحرافات أو إغراءات، فأطاعه المسلمون وأحبوه سواء
أكانوا أمراء أم من عامة الناس، ولم يعرف التاريخ رجلا بعد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» أطاعه
كبار الأمراء وصغارهم كما أطاعوا «عمر بن الخطاب»، لا لهيبته
فى عيونهم فحسب، بل للقدوة الحسنة فى حياته وانضباطه
الشديد، ولهذا كله احتل مكانة عالية فى التاريخ الإنسانى. لم
ترتبط صفة من صفات «عمر» الكثيرة باسمه كما ارتبطت به صفة
العدل، فإذا ذُكر «عمر» ذكر الناس عدله، الذى كان لا يفرِّق بين
قريب وبعيد، أو كبير وصغير، أو صديق وعدو، والأخبار
المتواترة فى ذلك أكثر من أن تحصى، ولعل قصته مع «أبى
مريم السلولى» قاتل أخيه «زيد» فى معركة «اليمامة» أصدق
مثال على تجرده فى عدله، وعدم خلطه بين عواطفه ومسئولياته
باعتباره حاكمًا يُجرى العدل بين الناس. فحين قابل «عمر» -
وهو خليفة - قاتل أخيه بعد أن أسلم، قال له: أأنت قاتل «زيد
بن الخطاب»؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله لا أحبك
أبدًا، فقال «أبو مريم»: أو تمنعنى بذلك حقا لى، قال: لا. قال:
إذًا يا أمير المؤمنين إنما يأسى على الحب النساء. يريد أنه
مادام لا يظلمه الخليفة فلا يعنيه أحبه أم كرهه، لأن النساء هن
اللائى يأسفن على الحب. ولا لوم على «عمر» فى التعبير عن
عواطفه التى لا يملكها تجاه قاتل أخيه، فقد ورد أن النبى
- صلى الله عليه وسلم - قال لوحشى قاتل عمه «حمزة بن
عبدالمطلب» حين رآه بعدما أسلم: «غيِّب وجهك عنى يا وحشى
لا أراك». ولكن للقصة دلالة على ضبط النفس والتجرد المطلق لعمر
ابن الخطاب، فلم يحمله غضبه من قاتل أخيه على ظلمه. وامتد
عدل «عمر» ليشمل كل من يعيش على أرض الإسلام، سواء
أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فحين رأى يهوديا يتسول
أحزنه ذلك. وأخذ الرجل من يده، وأعطاه معونة عاجلة من بيت