الدقيق (٨)، وأمر له براتب دائم من بيت مال المسلمين. إحساسه
بالمسئولية: بلغ من شدة إحساس «عمر» بالمسئولية أنه لم يكتفِ
بأن يكون مسئولا عن حياة البشر الذين يعيشون فى دولته، بل
مسئولا عن البهائم والدواب أيضًا. وذلك فى مقولته الشهيرة:
«والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام
الله، لماذا لم أعبد - أسوى - لها الطريق». وأعمال «عمر»
العظيمة من الفتوحات واستكمال بناء الدولة ومؤسساتها لم
تشغله عن متابعة أحوال الناس وتفقدها؛ ليقف على أوجه النقص
ليتلافاها أولا بأول، فكان كثير الطواف ليلا بالمدينة، وسمع
ذات ليلة طفلا يبكى بكاء مستمرا، فسأل عن أمره، فعرف أن
أمه منعت عنه الرضاع، لأنه لا يُفرض عطاء من بيت المال إلا
للأطفال المفطومين، فانزعج «عمر»، وأصدر أوامره أن يفرض
عطاء لكل مولود فى الإسلام، ونادى مناديه: لا تعجلوا فطام
أولادكم. وحوادث «عمر» التى من هذا القبيل كثيرة، وقد يظنها
بعض الناس أنها من المبالغات، ولكنها متواترة فى المصادر
التى أرَّخت لعمر وعصره، فمن يصدق أن خليفة المسلمين يأخذ
امرأته «أم كلثوم بنت على بن أبى طالب» ومعها كل ما تحتاج
إليه عملية ولادة، لمساعدة امرأة غريبة جاءها المخاض،
فيشترك هو معها فى الإشراف على ولادتها؛ وصنع الطعام لها،
ولما أنجز مهمته، قال لزوج المرأة: «إذا كان الغد فأتنا نأمر لك
بما يصلحك»، ففعل الرجل فأجازه وأعطاه. عمر والقضاء:
عندما بويع «أبو بكر» بالخلافة شكى لعمر من كثرة أعبائها
وخوفه من عدم النهوض بكل مسئولياتها، فقال له «عمر»: «أنا
أكفيك القضاء وأبو عبيدة يكفيك الأموال»، ومعنى ذلك أن
«عمر» كان قاضيًا لأبى بكر. وفى عهد «عمر» اتسعت الدولة،
واحتاج كل إقليم إلى قاضٍ، فعين «عمر» القضاة وكان يدقق
فى اختيارهم، فعين: «شريح بن الحارث الكندى» على قضاء
«الكوفة»، و «أبا الدرداء» على قضاء الشام، و «عثمان بن