دفعه إلى هذه الجريمة البشعة. حمل المسلمون الخليفة إلى بيته،
وظل فاقد الوعى فترة طويلة، فلما أفاق كان أول سؤال سأله
للمسلمين: هل صليتم الصبح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله، لا
إسلام لمن ترك الصلاة، ثم سأل: من الذى قتلنى؟ قالوا: «أبو
لؤلؤة» غلام «المغيرة بن شعبة». قال: الحمد لله الذى جعل
منيتى على يد رجل كافر، لم يسجد لله سجدة واحدة يحاجنى
بها عند الله يوم القيامة. أيقن «عمر بن الخطاب» بعد طعنه أنه لم
يبق من عمره سوى ساعات، وكذلك أيقن المسلمون، ولذا ألحوا
عليه أن يختار لهم من يخلفه فيهم، فرشَّح لهم ستة من الصحابة،
هم بقية العشرة المبشرين بالجنة، يختارون من بينهم واحدًا
للخلافة، ومع أن ابن عمه «سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل»
واحد من العشرة المبشرين بالجنة، فقد استبعده من الترشيح،
خوفًا أن يقع عليه الاختيار لقرابته منه، كما استبعد ابنه
«عبد الله» من الترشيح تمامًا، بل رد على من اقترح عليه ترشيحه
ردا قاسيًا، إبعادًا لشبهة الوراثة عن نظام الحكم الإسلامى،
وجعل الأمر فى يد الأمة تختار الأصلح ليتولى أمرها. قال «عمر»
لهم: «عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: إنهم من أهل الجنة، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
منهم، ولست مدخله فيهم، ولكن الستة، هم: على بن أبى طالب،
وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص،
وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله». واهتم «عمر» وهو
فى تلك الحال بأمر دفنه، وطلب أن يُدفن إلى جوار الرسول
- صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» - رضى الله عنه -
فى بيت «عائشة»، لينعم بصحبته فى الآخرة كما نعم بها فى
الدنيا، فأرسل ابنه «عبد الله» إلى «عائشة» - رضى الله عنهما -
وقال له: قل لها: «عمر» يقرأ عليك السلام ويستأذنك فى أن
يُدفن مع صاحبيه، فأتاها «عبد الله» فوجدها تبكى، فسلم
عليها، ثم قال لها ما أمره به أبوه، فقالت: «كنت والله أريده