وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين بعده. كتب «عثمان» - رضى الله
عنه - فى الأيام الأولى من خلافته عددًا من الكتب إلى الولاة
وأمراء الجند، بل وإلى عامة الناس، تتضمن نصائحه وإرشاداته،
يقول «الطبرى»: أول كتاب كتبه «عثمان» إلى عماله: «أما بعد
فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة - يرعون مصالح الأمة - ولم
يتقدم إليهم - أى لم يطلب منهم - أن يكون جباة، وإن صدر هذه
الأمة خلقوا دعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن
يصيروا جباة ولا يكونوا دعاة، فإن عادوا كذلك انقطع الحياء
والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا فى أمور
المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم مالهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم
تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذى لهم، وتأخذوهم بالذى عليهم، ثم
العدو الذى تنتابون، فاستفتحوا عليهم بالوفاء». وكتب إلى
أمراء الأجناد وقادة الجيوش: «أما بعد، فإنكم حماة المسلمين
وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا، بل كان عن ملإ منا،
فلا يبلغنى عن أحد منكم تغيير ولا تبديل، فيغير الله ما بكم،
ويستبدل بكم غيركم، فانظروا كيف تكونون، فإنى أنظر فيما
ألزمنى الله النظر فيه، والقيام عليه». وكتب إلى عمال الخراج
المسئولين عن الشئون المالية: «أما بعد فإن الله خلق الخلق
بالحق، ولا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا الحق، والأمانة
الأمانة، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها .. والوفاء
الوفاء، ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله خصم لمن
ظلمهم». وكتب إلى عامة الرعية: «أما بعد فإنكم إنما بلغتم ما
بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن
أمرهذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع». وهذه الكتب
توضح سياسة «عثمان بن عفان» العامة، التى كان يتوخى أن
يتبعها عماله وولاته فى إدارة شئون الأمة، وهى سياسة
طابعها الرفق بالرعية، والسهر على مصالحها، والإنصاف فى
جمع الخراج، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، والإحسان إلى